رأي

مصطفى قطبي: 9 في المائة من حياة المواطن البيضاوي يلتهمها الازدحام...!

ان نظرة سريعة لشوارع الدار البيضاء وهي تكتظ بالسيارات في ظاهرة اختناقات مرورية، تدعونا إلى التريث في فكرة اقتناء سيارة، هذه الفكرة التي طالما كانت حاجة ضرورية لكل مواطن، وهي من سعادة المرء.

فهناك عدة أسباب لتفاقم ظاهرة الازدحامات بالدار البيضاء كونها العاصمة الاقتصادية والمدينة الأكثر تعداداً للسكان، من هذه الأسباب 'الدودانات' التي لا يخلو منها شارع، ورداءة تبليط بعض الشوارع والطرق، ومشاريع الإعمار التي مازالت قيد الإنجاز، فضلاً عن استيراد أعداد ضخمة من السيارات وضخها إلى الشارع بدون تخطيط مسبق، فضلاً عن ارتفاع مستوى الاقتراض لدى المواطن، الأمر الذي أدى إلى سباق محموم لاقتناء السيارات، إضافة إلى عدم وجود نظام مروري رصين يبدأ من المحاسبة على إجازة القيادة وينتهي بفرض نظام إشارات مرورية متكاملة، بخاصة أن الكثير من المواطنين يعتبرون التجاوز على القانون والنظام المروري نوعاً من الذكاء والشطارة!

والحقيقة التي لا يحجبها غربال، أن الشوارع الرئيسية لمدينة الدار البيضاء أصبحت لا تستوعب العدد الضخم من الهياكل السيارة التي يتزايد عددها يوماً بعد يوم، بخاصة أوقات الذروة، فيما ظلت خرائط المدينة بشوارعها وأزقتها على حالها، والملاحظ أن هناك أوراشاً طرقية تفتح في أماكن مختلفة، لكن بدل أن تيسر طبيعة السير والجولان بالمدينة، فهي تعمل بجد على تعميقها.

فالاختناقات المرورية ظاهرة طبيعية في كل بلدان العالم وبخاصة العواصم الكبرى، والجهات المسؤولة هناك استطاعت أن تحل المعضلة منذ عدة عقود من خلال خطط علمية مدروسة ومشاريع ضخمة من شبكات الطرق الحديثة، إلاّ أن ما يحصل في شوارع الدار البيضاء شيء آخر يختلف تماماً عن كل عواصم العالم، الأمر الذي انعكس سلباً على المواطن وحده كونه يدفع الثمن بشكل يومي من وقته.

فالمواطن البيضاوي إذا أراد الوصول إلى مقر عمله فإنه يحتاج إلى ساعة أو ساعتين ومثلها في طريق العودة من العمل، فلو وضعنا دراسة حسابية بسيطة للوقت المهدور بسبب الاختناقات المرورية (ناهيك عن الضغط النفسي والخسارة بالعمل والوقود...) على فرضية أن الموظف يخسر ثلاث ساعات يومياً أي أنه يخسر (15) ساعة في الأسبوع في حال لم يخرج من بيته يومي السبت والأحد، وبذلك يكون قد أضاع في الشهر الواحد (66) ساعة، أي (792) ساعة في السنة بما معدله (33) يوماً في السنة، مما لاشك فيه أن كل من يقرأ هذه المعلومة سيذهل، لكنها للأسف حقيقة... نسبة  9في المائة من حياة المواطن يلتهمها الازدحام...

فهل يا ترى فكّر المسؤولون بهذه الخسارة الكبيرة؟ هل حاولوا ولو محاولة جادة للتخفيف عن كاهل المواطن؟.

مشكلة الازدحامات مشكلة اجتماعية سببها الجميع وضحيتها الجميع، ويُفترض أن يشترك في حلها الجميع، كلٌ حسب تاثيره. فتسويق فكرة الحرص على توسيع المدارات الطرقية من أجل توسيع دائرة الحركة من غير استشراف تجريبي لهذه الابتكارات خلق المزيد من الاختناق والارتباك لشوارع رئيسية بالعاصمة الاقتصادية، فيما استحالت الطرق والمعابر بالضواحي والأحياء الهامشية خرائط طرقية للنكبة، أضف إلى ذلك شراسة احتلال الملك العمومي من طرف بعض ملاك المقاهي وتقاعس السلطات في ردع وتحجيم طموح الباعة المتجولين في احتلالهم الشارع العام محولين إياه إلى أسواق عشوائية...

... معضلة اختناق المرور واندثار علامات التشوير الطرقي وأضواء المرور وانقراض المساحات الخضراء لا تمس فقط الشوارع الرئيسية بل تستفحل بالعديد من الأحياء والمحاور الطرقية الدائرية والهامشية، حيث احتلت مساحاته مقاهي سطت وتمددت على شوارع من الجانبين مما جعل سكان هذه الأحياء الآهلة والشعبية يعبرون عن أسفهم الشديد لتباطؤ المسؤولين في الشروع في استعادة الملك العام وزجر أصحاب المقاهي وترصيف الطريق العام، ونصب أضواء المرور في النقط الرئيسية، وهو ما يعرقل في الكثير من الأحيان حركة المرور ويساهم في حدوث حوادث سير تكون أحياناً قاتلة، الأمر الذي يستدعي تعميم الإشارات الضوئية وعلامات التشوير في العديد من المواقع وتشذيب أغصان الأشجار التي تحجب الرؤية.

فهذه دعوة لكل المسؤولين للعمل بإخلاص وتفانِ... فالمواطن البيضاوي يستحق العناية والعيش الكريم... فهل من مجيب؟