محمد بهضوض: دردشة رمضانية (9/30)

التاريخ (3/3)
***
الذاكرة

يلتقي التاريخ والتراث والذاكرة في شيء واحد هو: الماضي. ذلك أنه فيما يسعى التاريخ لكتابة هذا الماضي، ويسعى التراث لإثباته، المادي والرمزي، تسعى الذاكرة لاستعادته، كي تستعمله على طريقتها.

بيد أن الذاكرة، كعملية يقوم بها الدماغ البشري، تتميز على الأقل بميزتين: اولا، انها انتقائية بطبيعتها، حيث لا نتذكر كل شيء. وثانيا، أنها إرادية وغير إرادية، حيث هناك أشياء نتذكرها عن وعي وأخرى تأتي عن الوعي.

وهناك نظريات عدة في هذا الصدد، منها من تقول إن الذاكرة مصدرها مادي (الدماغ)، ومنها من تقول إن مصدرها نفسي (اللاوعي)، أو اجتماعي (الضمير الجمعي) أو ديني (أفلا تذكرون؟) وما إليه.

مهما يكن، فالذاكرة ملكة أساسية عند البشر (والحيوان كذلك)، ودونها لا حياة هناك (ومثاله المصابون بفقدان الذاكرة). لكننا في حاجة للنسيان كذلك (التغاضي، العفو..) كي نعيش أيضا، وإلا تحولت حياتنا إلى جحيم.

وهنا، اذا تركنا جانبا الجانب غير الارادي لعملية النسيان والتذكر (السهو، الانتقائية، زلة اللسان...)، فالسؤال الذي يفرض نفسه هو: ما الذي علينا تذكره أو نسيانه من ماضينا، الفردي أو الجماعي، بشكل ارادي؟

على المستوى الفردي: لا مشكلة، فالفرد مسؤول عن اختياراته، في النهاية. لكن المشكلة تبدو اكثر حدة على المستوى الجماعي. حيث نلاحظ في عالمنا المتوتر، أن الذاكرة أضحت سلاحا ضد الآخر (حروب الثقافات/الذاكرات).

ففي هذا العالم بدأت تطفو على السطح، إلى جانب بعض الذاكرات الإيجابية التي تروم النسيان ب."الصفح الجميل"، ذاكرات سلبية مدمرة تروم استغلال الماضي لفائدة الحاضر، في سباق محموم حول من يتذكر أكثر.

ما يعني أن الذاكرة نعمة ونقمة، و"من التذكر ما قتل"!