محمد بهضوض: دردشة رمضانية (19/30)

الاقتصاد (1/3)
***
العمل

يتكون الاقتصاد عادة من ثلاثة عناصر هي بالترتيب: العمل والرأسمال والتقنية. قلنا "بالترتيب" لأن العمل الذي يقوم به الإنسان هو المصدر الاساس للثروة البشرية. وبالتالي، فالانسان هو القيمة العليا في أي اقتصاد.

هذه نظرة انسانية، ماركسية، للعمل ستتغير مع التطور الذي أخذه الرأسمال والتقنية، فيما بعد. لكن قبل ذلك ما العمل؟ العمل ببساطة هو النشاط (الفكري، اليدوي، التقني) الذي يقوم به الإنسان للوصول إلى نتيجة معينة.

وهو تعريف يطرح إشكاليات عدة حول العلاقة ، مثلا، بين : النظر والتطبيق الفكر والواقع، التأمل والتغيير ، العمل المنتج وغير المنتج (...). وهي علاقة ملتبسة شجعت عليها النظرة المتناقضة للعمل، كما تكونت لدى أوساط عدة.

فمثلا في المجال الديني، والإسلام تحديدا، هناك نظرتين للعمل: الأولى سلبية هي التي ربطت العمل بالكد والكدح (الذي جاء كعقاب لآدم وحواء نتيجة خطيءتهما)، والثانية إيجابية تربط العمل بالفلاح والصلاح (وقل اعملوا).

ولاتخرج الفلسفة بدروها عن هذا التصور، حيث جعلت العمل مصدرا للعبودية حين يرتبط بالاستغلال (كان اليونانيون يخصصون العمل للعبيد والتأمل للفلاسفة)، ومصدرا للتحرر حين يتخلص منه (يا عمال العالم اتحدوا!) .

وكل ما جرى من توتر أو صراع، بين الإيديولوجيات والانظمة السياسية (الليبرالية، الرأسمالية، الاشتراكية...) خلال العصر الحديث، ارتبط بشكل أو آخر بهذه النظرة المزدوجة للعمل: الاستيلاب مقابل الحرية.

بيد ان ما زاد الأمر تعقيدا هو تحول طبيعة العمل: من الصناعي إلى ما بعد الصناعي (الخدماتي المعرفي)، ومن الاعتماد على العمل كقيمة أولى، كما ذكر، إلى الاعتماد أكثر فأكثر على الرأسمال، بله التقنية أو التكنولوجيا.

هذا ما فتىء يؤدي إلى ما أسماه ج. ريفين ب. "نهاية العمل"، والتي بدأت بالتقليص التدريجي لمكانة العمل في المصنع ودور العمال في المجتمع (إشكالية البطالة)، في طموح نحو تعويضه النهائي ب "الروبوت".

لعل هذا هو الاتجاه الانتحاري المتوقع للرأسمالية. فما حقيقة ذلك؟