رأي

عبد اللطيف بنيحيى: زايد ناقص... بالإشارة.. قد يفهم اللبيب

في طنجة، صار عندنا رهط من مُتَشَدِّقي الجمل المعطوبة العرجاء، يصنفون أنفسهم كُتَّابا متمكنين من ناصية اللغة،محيطين بأسرار وتقنية التعبير،وتحولوا بفضل (سنطيحاتهم) وليس بفضل قدرة قادر، إلى روائيين وكتاب قصة وصحافيين، فصرتَ تراهم يتسابقون على منصات المحافل (الأدبية) والندوات والمهرجانات وحفلات توقيع تفاهاتهم التي لا ترقى إلى أبسط شروط ومُقَوِّمات الكتابة، بدعم من رهط آخر من محللين ومفككين ونقاد تافهين لا يتقنون غير النفخ في بالونات مطاطية رهيفة واهية.
وقد استفحلت ظاهرة التسلط العنتري بشكل مشين أهوج في الميدان الصحافي والإعلامي دون خجل أو وجل، أمام هذا المد الرقمي الذي خَوَّلَ لكل مسكون بأورام اللغة وأعطابها، ولكل جاهل بشروط وقواعد العمل الصحفي أن يُنَصِّبَ نفسه صاحب (قلم) بليغ سَيَّال لا يُعلى عليه، أو مُرَوِّضا بارعا للميكرفون داخل استوديوهات الإذاعة.
ومِمَّا يُهَيِّجُ لواعجنا، ويُعَمِّق أَلَمَنا، أن هذه الظاهرة صارت تعرف استفحالا وانتشارا في مدينة حققت في الزمن الماضي قصب السبق والريادة في العمل الصحفي، وكان لها شأن رفيع في برامجها الإذاعية الجادة على يد مذيعين وطنيين غيورين أفذاذ، تعلمنا منهم كيف نجعل من الأستوديو محرابا مقدسا لا يَلِجُه إلا من كان يحترم عمله ويفنى فيه ومن أجله، ويراعي متطلبات قطاع واسع من المستمعين ويهتم بانشغالاتهم، بدل تزجية الوقت في (ياليل ياعين) وتقديم الوصفات للبطون.
ولعلني ما زلت أحمل بين جوانحي حنينا لإذاعة قضيت بها ثلاثة عقود، وأسترجع على امتداد كل هذه السنوات الطويلة ثلة من الأصدقاء الذين واكبوا معنا هذه المسيرة عبر عشرات البرامج الثقافية والفنية والاجتماعية والتربوية والخدماتية، ومئات التغطيات الإذاعية التي أنجزناها داخل المغرب وخارجه، والحوارات الجادة التي فتحناها مع مفكرين وسياسين ومثقفين مؤسسين، إلى أن رحل معظم الأبناء البررة لهذه الدار وقلة منهم تنتظر أطال الله في أعمارهم، وجاء من جعل منها سوقا تعج بالضجيج والقعقعة والشعارات الصبيانية التي تصم الآذان ب  "إيذاااااااااعتووووووو طنجتاااااااااا".