تحليل

الأزهر في مرمى نيرانه.. فايننشيال تايمز ترصد الأسباب التي دفعت الرئيس المصري للهجوم على المؤسسة الدينية

كفى بريس ( وكالات)

بعد أيام من التفجيرين اللذين هزا مصر وضربا كنيستين قبطيتين، بدأت قنوات البلاد الإعلامية والصحفية بشن موجة هجومية قلّ مثيلها على الأزهر، تلك الجامعة والمؤسسة الدينية التي لطالما كانت نبراساً ومنارة للمسلمين السنة على مر القرون وفي كل بقاع العالم.

يصرخ المذيع التلفزيوني عمرو أديب مطالباً إمام الأزهر أحمد الطيب بالاستقالة صائحاً "إن كنت غير جدير بالمسؤولية أو تعبت أو مللت منها، فاترك وظيفتك لغيرك لأن سلبيتك تقتلنا."

ورأى تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، أن هذه الانتقادات اللاذعة تعكس التوترات بين قادة مصر السياسيين والدينيين، فقنوات الإعلام المؤيدة لنظام السيسي تزعم أن قادة الأزهر فشلوا في مكافحة التطرف بل لعلهم يغذونه ويصبون الزيت على ناره أيضاً.

وأشارت إلى الضغوط على الأزهر -الذي زاره البابا فرنسيس الشهر الماضي– تصاعدت بعيد تفجيري أبريل/نيسان 2017 اللذين طالا كنيستين في طنطا والإسكندرية وأسفرا عن مقتل عشرات معظمهم مسيحيون وتبنى مسؤوليتهما تنظيم داعش الإرهابي.

 

ثورة دينية

 

وتكالبت البرامج الحوارية على اتهام الطيب بوضع أصابعه في أذنيه وتصنع الصمم أمام دعوات الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى "ثورة دينية" لمكافحة التعصب والفكر الراديكالي المتطرف الذي يعتنقه "الجهاديون".
وقالت الصحيفة إن السيسي العسكري السابق أطاح برئيس البلاد الإسلامي المنتخب عام 2013، قد حث شيوخ البلاد وأئمتها علناً على "تجديد الخطاب الديني" مضيفاً أنه سيشكوهم إلى الله.

من وجهة نظر الفايننشيال تايمز فإن هذه التوترات تجسد مدى التعقيد الذي تنطوي عليه التحديات الماثلة أمام الرئيس، فهو من جهة يحاول التأثير في الأوساط الدينية بينما من جهة أخرى يعمل على محاربة "المتطرفين الجهاديين" وقمع أعداء آخرين له.

 

ما الهدف من هذه الحملة؟

 

منذ تولي السيسي السلطة عمل على قمع حركة الإخوان المسلمين بزج الآلاف من أعضائها في السجون؛ والآن يرى بعض المراقبين في الحملة الهجومية على الأزهر جزءاً من حركة أوسع تهدف إلى تضييق قبضة السيسي وإحكامه السيطرة أكثر، فقد أقر البرلمان كذلك قانوناً فيه تقييد كبير للمجتمع المدني، كما صوت البرلمان منذ مدة قريبة على تشريع يبيح للرئيس حق تعيين قضاة ورؤساء محاكم الدولة العليا.

كذلك تقدم محمد أبو حامد، البرلماني العضو في تحالف مؤيد للنظام، بمقترح تشريع يحد من استقلالية الأزهر ويسمح بإقالة إمامه رغم كون حصانة منصبه محفوظة منصوصاً عليها في الدستور.

يقول أبو حامد للفايننشال تايمز "لقد طالبت الدولة الشيخ والأئمة بتحسين الخطاب الديني إلا أنهم أحجموا عن ذلك لعدم إجبارهم، أما هذا القانون فسيجعل ذلك إجبارياً."

البرلمان أعلن أنه لن يناقش القانون الذي اقترحه أبو حامد، ولكن شراسة وضراوة الهجوم الانتقادي أثارت حفيظة شيوخ الأزهر الذين رأوا فيها تحركات سياسية للتعدي على سلطة مؤسستهم التي تدير جامعة وآلاف المدارس.

وكان الشيوخ قد رفضوا محاولة حكومية سابقة لتوحيد خطبة الجمعة لتصبح من إعداد وزارة الأوقاف الدينية؛ كذلك كان مجلس من كبار الأئمة والعلماء يترأسه الطيب قد رفض بالإجماع طلباً من الرئيس السيسي لإلغاء الحكم الديني الذي يقضي بتطليق الرجل لمرأته شفهياً.

الآن مع ظهور علائم نفاد صبر الرئيس على الأزهر، وجد النقاد الجرأة لاتهام الأزهر بتدريس نصوص تقدم للمتطرفين المبرر العقائدي والمسوغ الفكري للتعصب ضد المسيحيين؛ فمؤخراً أثار الشيخ الأزهري سالم عبد الجليل على برنامجه المتلفز زوبعة حينما وصف العقيدة المسيحية بـ"الفاسدة".

لكن علماء الأزهر من جهتهم ينفون اتهامهم بتغذية التطرف مشيرين إلى أن طلبة الأزهر يتعلمون التفريق بين التعاليم قابلة التطبيق في عالمنا المعاصر وبين تلك غير القابلة للتطبيق؛ كذلك نأى كبار الأزهريين بأنفسهم عن تصريحات الشيخ عبد الجليل.

 

المتطرفون سيستفيدون

 

طارق الجوهري خريج أزهري من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة برنستون؛ يقول إن تقويض سلطة الأزهر من شأنها الإضرار بقدرة مصر على مكافحة التطرف لأن علماء الأزهر فقط هم من يملكون الأدوات العقائدية التي قد تثني "الجهاديين" وتقنعهم بالتخلي عن العنف.

يقول الجوهري لفايننشال تايمز إنه من "الخطأ تحميل مسؤولية أمن المصريين للأزهر لأن هذا ليس دوره."
كذلك رأى محللون آخرون أن الإصلاح الديني لا يمكن أن يتم في غياب الحريات السياسية وغيرها، بيد أنهم يرون أن الدولة يمكنها على المدى القصير اتخاذ خطوات لمعالجة مواضيع التطرف الراديكالي والتمييز التعصبي ضد المسيحيين؛ من هذه الخطوات تحسين أوضاع حقوق الإنسان والنظام القضائي والسماح بحرية التعبير وتلقين التسامح الديني في المدارس ومعاقبة أشكال التمييز ضد الأقليات الدينية.

يقول عمرو عزت، الباحث في مؤسسة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "إن كان الأزهر لا يقبل تعددية وجهات النظر، فالأجدر بالدولة ونظام القضاء دعم حرية التعبير؛ لكن الحقيقة أن الحكومة لا تواجه بحزم التمييز ضد المسيحيين ولا تعاقب ارتكاب العنف الطائفي ضدهم."

ويختم عزت بالقول إن الحديث عن الإصلاح الديني في الوقت الحالي محض "شعارات كبيرة ومطالب غامضة."

 

هدنة أم انتصار لشيخ الأزهر

 

إعلان مجلس النواب عن وقف مشروع القانون لتطوير الأزهر، الذي كان ينص على تحديد مدة شيخ الأزهر بثماني سنوات فقط، وإمكانية عزله من منصبه إذا أخل بواجبات عمله، فسره بعض المراقبين بأنه توقف للحرب بين السيسي وشيخ الأزهر. حسب تقرير لموقع "عربي 21 ".
وجاءت هذه الخطوة وسط هدوء واضح في الهجوم المتبادل بين نظام عبد الفتاح السيسي والأزهر الذي استمر لأسابيع طويلة، ما جعل كثيرين يتساءلون حول أسباب توقف "الحرب" بين السيسي والأزهر، وهل حسمت المواجهة مع النظام لصالح الشيخ أحمد الطيب؟

وكان شيخ الأزهر قد حظي بدعم العديد من فئات المجتمع خلال الأيام الماضية في مواجهة الحملة الشرسة من إعلام ومؤيدي النظام.
ويقول مراقبون إن الأزهر سعى خلال الفترة الماضية إلى قطع الطريق على النظام وعدم إعطائه الفرصة لإلصاق تهمة تأييد التطرف بالأزهر، حيث سارع شيخ الأزهر بإقالة رئيس جامعة الأزهر الأسبوع الماضي بعد تصريحات تلفزيونية مثيرة للجدل اتهم فيها الباحث إسلام بحيري بالردة عن الإسلام بسبب هجومه على الثوابت الدينية والتراث الإسلامي.

كما قالت صحيفة "اليوم السابع"، السبت، أن أحمد الطيب شيخ الأزهر، كلف مستشاره القانوني والتشريعي بإعداد مشروع قانون يجرم الحض على الكراهية، لتقديمه لمجلس النواب خلال دور الانعقاد المقبل.

 

سرُّ عدائه لشيخ الأزهر

 

لكن الباحث السياسي عبد الخبير عطية رأى أن معركة النظام مع الأزهر لم تنته، مشيراً إلى أنها توقفت نسبياً فقط هذه الأيام بسبب مكانة الأزهر عند المسلمين في مصر وخارجها، خاصة بعد زيارة بابا الفاتيكان لمصر وعدم رغبة النظام في أن يظهر دولياً بأنه ضعيف ويصفي خصومات سياسية مع الأزهر.

وأكد عطية، لـ"عربي21"، أن الأزمة ستظل مستمرة، وأن النظام سيواصل حربه ضد الأزهر بأساليب أخرى حتى يحقق هدفه الأكبر وهو منع الأزهر من أن يكون مستقلاً وخارجاً عن سيطرة النظام، موضحاً أنه إذا كان البرلمان قد رفض قانون أبو حامد لأنه مخالف للدستور، فإن النواب المؤيدين للنظام سيقدمون في الفترة المقبلة قانوناً آخر غير مخالف للدستور يتيح للسيسي التدخل في شؤون الأزهر.

وشدد على أن النظام لم ولن ينسى موقف شيخ الأزهر من فض اعتصام رابعة حينما أصدر بياناً رافضاً لما قام به النظام وقتها وطالب بوقف إراقة الدماء وفتح تحقيق عاجل في الأحداث، حسب قوله.