رأي

عبد السلام الصديقي: غموض واضح في الأدوار

"الدولة هي أنا" تلكم هي العبارة المنسوبة، عن صواب أو خطإ إلى لويس الرابع عشر؛ لأن العديد من علماء التاريخ يشكون في صحتها. ويبدو، حسب بعض الروايات، أن الملك الشاب، الذي اعتلى العرش في سن مبكر، قد استعمل هذه العبارة في خطابه أمام البرلمان الفرنسي يوم 13 أبريل 1655. ولا يهم إن كانت هذه العبارة صحيحة أم لا، فقد ألهمتني للحديث عن الدولة المغربية اليوم بتداعياتها ومكوناتها ووظائفها..

وهذا التمرين الفكري يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى بالنظر إلى السياق الحالي الذي يمر منه المغرب والذي تشكل فيه أحداث الحسيمة الجزء المرئي فقط.

وحينما نتابع عن قرب سيرورة هذه الأحداث، يبدو لنا أن لا أحد يريد تحمل مسؤولياته تجاه ما يحدث تحت أعيننا. الجميع يسعد بالتخلص من المشكلة الحارقة، ويلقي اللوم على الآخر دون أن يكلف نفسه عناء تحديد هوية هذا "الآخر" بدقة وتقديم دلائل مقنعة لذلك؛ وهو ما يجعل المواطن العادي في حيرة من أمره، لا يدري بمن سيثق، ويصبح بالتالي ضحية للشائعات والمناورات والأكاذيب والافتراءات.

فهناك غموض واضح في الأدوار، غموض ناتج عن كون التطور المتسارع الذي عرفته البلاد خلال العقود الأخيرة، لم يتم استيعابه كما ينبغي، وما زال البعض يرى هذا الواقع الجديد بنظارات غير قابلة للاستعمال، ويحلله باستعمال مقولات متجاوزة.

ولتجاوز هذه الردود الرجعية والماضوية، وجب القول بصوت عال وقوي إن "الدولة نحن"، إذ نعتبر كلنا معنيين، ما دمنا في إطار دولة حديثة أو على الأقل سائرة في هذا الاتجاه.. نعتبر أنفسنا معنيين بما يجري في بلدنا؛ لأننا نشكل دولة قائمة على المؤسسات محددة بصفة واضحة في دستور المملكة، كما صادق عليه الشعب المغربي بما يشبه الإجماع !

فجميع مقومات الحداثة متوفرة في دستور 2011: فصل واضح للسلط، هيئات الحكامة، حقوق وواجبات المواطن، دور المجتمع المدني وهياكل الوساطة...ينبغي فقط ضمان تناغم هذه المقومات وتفعيلها لتزييت الآلة الاجتماعية التي أصابها الصدأ.

إن الذين يسعون اليوم إلى التهرب من مسؤولياتهم لإلقاء اللوم على "الآخر" أو الرجوع دوما إلى سلطة أخرى، باعتبارها هي المحددة، في نهاية المطاف، عليهم أن يعودوا إلى الصواب والرشد. وهي مهمة مطروحة علينا جميعا إن نحن سلمنا بكون "الدولة هي نحن".

بالطبع، الدولة تشتغل من خلال ممارسة العنف المشروع (حسب مقولة ماكس فيبر Max Weber؛ وهو ما تحقق فيه بعض النتائج، ولكن عليها، أي الدولة، أيضا تحريك أجهزتها السياسية والأيديولوجية التي تبدو كما لو أصيبت بالشلل. ما العمل، إذن، لبعث الروح في هذه الأجهزة؟ هذا هو عمق المشكل، فاستعمال "الأجهزة القمعية" و"الأجهزة السياسية والأيديولوجية"، في تناغم وتكامل بينهما، بإمكان الدولة أن تجد الحل للاختلالات المجتمعية، والحصول على الانخراط الشعبي في الخيارات الاستراتيجية للأمة.

ذلكم هو طريق الخلاص والحكمة التي يجب على كل المغاربة، المتشبعين بروح الوطنية الصادقة الالتقاء حولها؛ وهو ما لا يعني تذويب الخلافات الإيديولوجية، إذ من المسلم به أنه كلما اجتزنا لحظات عصيبة علينا أن نغلب الوحدة الوطنية ونضعها فوق كل اعتبار. ويعتبر هذا التوجه الوسيلة الوحيدة لقطع الطريق على المغامرين الذين يسعون إلى جر المغرب نحو الهاوية؛ ولكن لن يفلحوا أبدا في تحقيق ضالتهم.

  عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية سابقا