رأي

عبد الرحمان شحـشي: أنا لست الدولة

من بين الرسائل القوية التي بعثها الملك "محمد السادس، في نظري، بمناسبة عيد العرش في الذكرى الثامنة عشرة، لكل المغاربة، هي كونه ليس الدولة، إذ حاول البـــــــــعض ويحاول أن يختفي وراء القصر الملكي ويتحدث باسم "الملك" وكأنه يتحدث باسمها.

الملك قالها صراحة: للدولة دستور ومؤسسات ومبدأ لفصل السلطات، وعلى الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة.

فالملك رئيس الدولة وليس الدولة نفسها وهو ممثلها الأسمى - ( الفصل 42 من الدستور )- ففي الدول التي تحترم نفسها والمتشبعة بالثقافة الديمقراطية لا يختلط الأمر على المواطنين والمواطنات في التمييز بين رئيس الدولة كمؤسسة - ( مؤسسة رئيس الدولة) - والدولة كشخص معنوي عام يتمتع بالسلطة والسيادة، وبين رئيس الدولة كشخص، فلا "شخصانية للسلطة" لديهم، ولكن المواطنين والمواطنات لدينا يخلطون بين مفهوم الملكية كمؤسسة والملك كشخص محترم وموقر - (الفصل 46)- لهذا نرى رئيس الدولة في الغرب حين يترك مقر الرئاسة يتجول في الشارع العام بكل راحة وحرية أما الملك في المغرب فحين يريد، كشخص، التصرف كمواطن عاد يقود سيارته بنفسه أو برفقة أصدقائه ويتوقف عند إشارة الضوء الأحمر يتجمهر حوله المواطنون والمواطنات والكل يحمل أظرفة لتحقيق مطالب أو شكايات ضد إدارات عمومية أو التماسا للتدخل لدى المحاكم!!!

نعم الملك ليس الدولة وإن كان هو ممثلها الأسمى، فهو فقط رئيسها ليس إلا، أما الذي قال: "أنا الدولة" "l’Etat c’est MOI"، لويس Louis XIV - ( 1638 - 1715 )- ملك فرنسا، فقد تميز عهده بإلغاء المؤسسات وتقليص دور المسؤولين عنها.

لقد ركز خطاب العرش في ثلاث مناسبات على أن الاحتكام إلى الدستور وفصوله هو الفيصل لكي يتحمل كل مسؤوليته.

وهنا يقول الملك:

"أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة".

ليضيف أن الوقت قد حان "للتفعيل الكامل لهذا المبدأ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء...

والملك بصفته رئيسا للدولة يلح "على ضرورة التفعيل الكامل والسليم للدستور".

ولكن إذا تخلف المسؤولون عن القيام بواجبهم، وتركوا قضايا الوطن والمواطنين عرضة للضياع، فإن من مهام الملك الدستورية ضمان أمن البلاد واستقرارها، وصيانة مصالح الناس وحقوقهم وحرياتهم – ( الفصل 42 من الدستور)- .

وكما اعتبر الملك أن للدولة دستور فقد أشار إلى أن للدولة كذلك مؤسسات، وذلك في خمس مناسبات من الخطاب، إذ اعتبر أن المغرب دولة مؤسسات متجددة بناء على إصلاحات مستمرة ومواكبة ومتكيفة مع روح العصر وسنة التطور خدمة للمطالب المتجددة للمواطنين والمواطنات، ولهذا فعلى هؤلاء أن يلتفتوا إلى المؤسسات ويطالبوها بحقوقهم الدستورية، وإلا ما الجدوى من وجودها؟

إن التفعيل الكامل والسليم لأحكام الدستور هو من صميم عمل المؤسسات. وهنا يحملها الملك المسؤولية كاملة عن أي تقصير أو تحريف لوظائفها أو التفريط أو الإفراط فـــــــي اختصاصاتها.

وتطبيق القانون يرتبط في علاقة جدلية باحترام المؤسسات، لكن عندما تتعالى بعض الأصوات بتدخل الملك في قضايا من صميم المؤسسات الدستورية أو معروضة للنظر فيها فهذا خرق للدستور وقفز على المؤسسات وتعطيل لمبدأ فصل السلطات.

لهذا فالملك قالها صراحة: "إني أحرص كل الحرص على احترام اختصاصات المؤسسات وفصل السلط".

وفي نفس الوقت... لن نسمح بأي عرقلة لعمل المؤسسات. فالدستور والقانــــــون واضحان والاختصاصات لا تحتاج إلى تأويل.

لهذا فالملك ليس هو الدولة، أما هذه الأخيرة فلها دستور ومؤسسات ومبدأ لفصل السلطات.

*أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات