رأي

ادريس الكنبوري: على هامش "اغتصاب فتاة الحافلة" .. كيف نعيد القيم للمجتمع المغربي؟

أثار حادث اغتصاب فتاة في حافلة عمومية بالدار البيضاء موجة من الغضب والاحتجاج في أوساط المغاربة قاطبة، فبفضل مواقع التواصل الاجتماعي بات أي خبر من هذا النوع ينتشر سريعا وسط المواطنين؛ وهو ما يحدث حالة من العدوى والتلامس بين الناس.

الحادث فجّر تساؤلات بشأن القيم وانحدارها في المجتمع المغربي. هل انهارت قيم المغاربة إلى هذا الحد؟ من المسؤول عما جرى ويجري اليوم تحت أعين الناس؟ ما دور الدولة في الدفاع عن القيم؟ أيّ قيم نريد في المغرب اليوم؟.

إنها تساؤلات كبيرة، ولكنها مقلقة للجميع اليوم، سواء أولئك الذين يدافعون عن "قيم الحداثة" أو أولئك الذين يصطفون إلى جانب "القيم التقليدية". ومع أن هذين المفهومين غامضان غموضا كبيرا، إلا أنني لا أشك مطلقا في أن قيما مثل الشرف والكرامة والاحترام بين الناس والخصوصيات الفردية هي قيم مشتركة لدى الجميع.

بيد أن الحديث عن سقوط القيم في المغرب لا يقتصر على هذه الجوانب الأخلاقية، مثل ما حصل في الدار البيضاء؛ بل يمس مختلف أشكال القيم، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو إعلامية أو ثقافية؛ ذلك أن القيم شبكة من العناصر المترابطة في ما بينها، وأي اختلال في عنصر يجر اختلالا في العناصر الأخرى.

إن استعمال المال في الانتخابات، وإثراء المسؤولين السريع في المجتمع المغربي، وفساد العدالة، وانتهازية الطبقة السياسية، وازدواجية تطبيق القانون، والتلاعب في مؤسسات الدولة وغيرها، كل هذه الصور والمظاهر تشكل مستويات لانحدار القيم. لا يمكن إقناع المواطن بالالتزام بالقيم الأخلاقية الفردية بينما هو يرى أمام عينيه يوميا مظاهر مختلفة لسقوط القيم الفردية لدى الآخرين، وخصوصا لدى قطاع من النخبة التي يفترض أنها الراعي الأمين للقيم، والطبقة المبشرة بها.

إننا أمام أزمة حقيقية تهدد النسيج الاجتماعي لمجتمعنا، ولكن النقاش حولها ـ للأسف الشديد ـ يأخذ تلاوين سياسوية وإيديولوجية في الكثير من الأحيان؛ وهو ما يبعدنا عن ملامسة جوهر الأزمة ويحول دون تشخيص مظاهرها وتحديد أشكال العلاج. لقد قرأت للبعض ممن قال إن ما حصل في الدار البيضاء مرده النظرة الدونية للرجل تجاه المرأة، وأن السبب هو عدم المساواة بين الجنسين أو الكبت الجنسي أو غياب التربية الجنسية، وغير ذلك من الفذلكات التي تنظر إلى سطح الأمور وتكشف عن الالتزامات الإيديولوجية الفارغة التي تبحث عن نفسها في غابة من الكلمات.

يتعين النظر إلى مجموعة من الحقائق بوضوح. هناك طابوهات لا يمكن الاقتراب منها بالنسبة إلى النخب التي تمارس نوعا من المجاملة تجاه المفاهيم وتغلق آذانها لكي لا تسمع غيرها؛ ولكن المواطنين في حياتهم اليومية يخوضون فيها، ما يدل على أن طريقة رؤية الناس للأمور تختلف كثيرا عن الطريقة التي تنظر بها النخبة صانعة الكلام.

لنأخذ هذا المثال: يقول المواطن في محاوراته اليومية إن المجتمع المغربي أصبح مجتمع العري، وإن التحرش الجنسي أو الاغتصاب لديهما أسباب موضوعية. إنه نوع من التبرير لممارسات غير أخلاقية ومتوحشة، ولكن هذا التفكير موجود وسط المواطن. كيف نوفق بين ما يراه المواطن عريا وبين قيم نريدها محافظة وأساسية؟

وكيف نكرس لدى المواطن فكرة أن اللباس العاري للمرأة في الشارع يندرج ضمن الحريات الفردية، ونقنعه بأن مفهوم الحشمة هو مفهوم متجاوز اليوم؟ كيف نقدم مفهوم الحشمة كمفهوم مضاد لمفهوم الحرية الفردية؟. لا تفكر النخبة في هذه المعادلة الصعبة، وهي تكتفي في الغالب بتوجيه اللوم إلى سلوك المواطن؛ لكنها لا تلتفت إلى السلوك الاجتماعي العام، الذي يكرس تقاليد جديدة ويصنع ثقافة جديدة يجد المواطن نوعا من النفور تجاهها.

لقد حسمت الدولة، منذ فترة طويلة، في قضية التعليم وأصبحت مهمة التعليم مرتبطة بسوق الشغل؛ ولكن ماذا عن سوق القيم؟ لماذا تخلى التعليم في المغرب عن رسالته الكبرى في تنشئة المواطن وتربيته وإعادة تدوير القيم بين الأجيال؟.

منذ عقود ونحن نتحدث عن أزمة التعليم في المغرب، ونتحدث عن تراجع المردودية وغياب النجاعة. ولكن متى كانت مشكلة القيم في صلب النقاش حول التعليم؟. لا أحد يطرح مثل هذه المشكلة، فالتعليم صار قضية كمية فحسب، تقاس بالأرقام والمخرجات.

إن التقليد ليس الأصل. فنحن لن نصبح فرنسيين إن قلدنا القيم الفرنسية ولو بعد ألف عام، ولن نصبح أمريكيين لمجرد تقليد القيم الأمريكية وإن طال الزمن.

إننا نضيع القيم المغربية الأصيلة لنربح غيرها، ولكن النتيجة أننا سنخسر دون ربح. تتحمل الدولة جزءا كبيرا من المسؤولية في سقوط القيم النظيفة وصعود القيم السلبية في المجتمع، بسبب سياستها في التعليم والإعلام بوجه خاص.

لا أعتقد أن الدولة اليوم تتوفر على إجابة مقنعة عن سؤال: ما معنى أن تكون مغربيا؟. نتحدث كثيرا عن الخصوصية المغربية، ولكن أين هي تحديدا؟. إننا نخشى أن تصبح الخصوصية المغربية الوحيدة للمغرب، غدا، هي موقعه الجغرافي الجميل.