قضايا

التربية الجنسية.. لم لا بالمدرسة المغربية؟

بوسلهام عميمر

عادة لما تذكر التربية الجنسية تشتعل الأضواء الحمراء، وتتهيأ أجهزة الإنذار المبكر، إذ تنصرف الأذهان مباشرة إلى الممارسة الجنسية؛ في حين أنه لا علاقة بتاتا بين الأمرين.

في دراسة أنجزتها منظمة الصحة العالمية، أثبتت أن الدول التي تعتمد التربية الجنسية المتكاملة في مدارسها تؤجل الممارسة الجنسية إلى حدود سن السابعة عشر أو الثامنة عشر. عكسنا نحن، إذ تفيد دراسة بأن الممارسة الجنسية،تبتدئ في سن مبكرة حوالي الحادية عشر أو الثانية عشر.

المفروض فالتربية الجنسية لأهميتها أن تقرر في المناهج الدراسية مثلها مثل أية تربية، كالتربية البدنية أو التربية الوطنية وغيرها. فلم لا تدرس هي الأخرى ليكون أطفالنا على بينة من أمر أجسادهم، خاصة في ظل تنامي ظاهرة البيدوفيليا، وانتشار مرض فقدان المناعة، وأيضا ما يصطلح عليه بزنا المحارم، بل وغزت الظاهرة حتى بعض المدارس مما يطفو على السطح بين الفينة و الأخرى من قبل بعض مرضى النفوس ممن لا يجدون غضاضة في استغلال صغر تلاميذهم وتلميذاتهم، وانعدام ثقافتهم الجنسية بشأن أجسادهم، وخاصة مناطقهم الحساسة، مما يعبر عنه في القرآن الكريم بالفرج يشمل الذكر والأنثى.

إن أطفالنا في المدارس الابتدائية قد يتعرفون على كل شيء تقريبا بشأن أجسامهم، ابتداء من حواسهم وصدورهم و بطونهم وأطرافهم إلى السُّرة، فيتم القفز بطريقة فجة إلى الأفخاذ أو الركب متخطين المنطقة الحساسة برمتها، بدعوى أن الموضوع فيه قلة حياء، أو خدش أخلاق، أو تشجيع على الإباحية، وما إلى ذلك مما يروج له المتعصبون من ذوي العلم المحدود، مما يطرح لدى الطفل أكثر من علامة استفهام، ناسين أن كل ممنوع مرغوب.

والإشكال، فالأسر المفروض أن تنهض بهذا العبء، لا أهلية لها للحديث فيه، بما أن معظمها لا دراية لها بشيء اسمه الثقافة الجنسية، لربما لم تكن يوما على جدول أعمالها؛ "ففاقد الشيء لا يعطيه". إذا كان هذا حال الأسر، فماذا عن المدرسة؟

إلى اليوم في زمن الثورة التكنولوجية، إذ يمكن بمجرد نقرة خفيفة على أحد أزرار حاسوب أو هاتف محمول، يمكن أن يجد الطفل نفسه في عوالم تتعلق بالأجهزة التناسلية أو الممارسات الجنسية نفسها، المدرسة لا تقارب الموضوع إلا على استحياء، إذ تمر عليه مرورا عابرا من خلال بعض دروس النشاط العلمي، باكتفائها بالتعريف بجهازي الذكر والأنثى دون التوعية بالثقافة الجنسية. فما المقصود إذن بهذه الثقافة؟ وفي أي سن يمكن الشروع في تناولها مع أطفالنا؟ وقبل ذلك ما هي الأسباب والدواعي للاهتمام بها؟

في الواقع، يصعب الإحاطة بالموضوع في مقالة موجزة، ولكن لا بأس من الوقوف عند بعض مفاصلها كالتالي:

أولا، فمفهومها واسع جدا يشمل كل ما يتعلق بالنواحي الجنسية، ابتداء من التعرف على خصوصية كل من الذكر والأنثى، إلى علاقة الإنسان عموما والطفل خصوصا بجسده، وخاصة منطقته المتعلقة بأعضائه التناسلية، ومعرفة ما ينبغي كشفه للعموم وما لا ينبغي كشفه سوى لأمه بقصد النظافة في الحمام، أو بقصد العلاج أثناء الألم لدى الطبيبة أو الطبيب، دون ذلك فمحذور على أي كان العبث بها أو لمسها، ولو كان من أقرب المقربين إليه كإخوانه أو أحد أفراد العائلة، إلى الإخصاب و الحمل والولادة والنشوة الجنسية والأمراض الجنسية، إلى طرق تفاديها والوقاية منها وغيرها كثير مما يتعلق بهذه الثقافة.

إذا كانت التربية الجنسية ضرورة بالنسبة للإنسان في كل مراحل عمره، بما في ذلك الشيخوخة "مَحَدْ الرّوحْ تطلع والإنسان يطمع". كم من المشاكل الزوجية تصل إلى فك عرى الزواج، تعود في أساسها إلى غياب هذه الثقافة بين الزوجين، فإنها اليوم بالنسبة إلى الأطفال أوكد من أي وقت مضى في زمن الثورة التكنولوجية. فأيهما أجدى، أن تكون له على الأقل الحدود الدنيا من المعرفة بها، أم يجهلها بالمرة؟

في أمريكا الشمالية، مثلا، هي مادة أساسية في المنهاج المدرسي في السنوات المتوسطة والثانوية، وفي فرنسا الحصص الأولى في التربية الجنسية تبتدئ في المرحلة الابتدائية بالتعرف على جهازي الجنسين بأسمائهما، وكذا ما يفرزانه، وأن الحب بين الجنسين مسموح به؛ لكن دون تجاوزه للممارسة الجنسية، التي ترجأ لديهم وطبعا وفق خصوصيتهم، إلى حدود سن الخامسة عشرة. فالمفروض أن يتعرف أطفالنا على ذواتهم وخصوصياتهم، الذكر ذكر والأنثى أنثى. فبدل قمعه أو تجاهله والإعراض عنه عند سؤاله عن كيفية وجوده في الدنيا، لا بد من إجابته الإجابة المناسبة لسنه، دون لف أو دوران أو الاحتماء بالأجوبة الخرافية. فلم لا نوضح له أننا كأي مخلوق على وجه الأرض لا بد من ذكر وأنثى للولادة والإنجاب. في عالم النباتات، فالنخل مثلا نجد فيه الفحل والنخل الأنثى يحبل فيعطينا الغلة، وفي عالم الحيوانات نجد مثلا الأسد واللبؤة، والحمار والأتان والأسماك أيضا، وحتى الكهرباء لا بد فيه من السالب و الموجب للإنارة. ببساطة نشرح له أن وجودنا متوقف على بذرة يزرعها الرجل في رحم الأنثى، فتنتج عنها ولادة. فما العيب أن يعرف الطفل هذه الحقائق بالأمثلة التقريبية؟

لا بد أن يعرف الطفل أو الطفلة أن جسده ملك له لوحده دون غيره، لا أحد له الحق في العبث بأعضائه التناسلية. فاليوم إحصاءات مخيفة تتحدث عن زنى المحارم، وعن المثلية وعن التحرش وغيره. فلا بد للطفل أن يعي بهذه الأخطار المحدقة بجسده. والأهم هو أن يتعلم طرق الاحتجاج في حالة انتهاك حرمات جسده بالرفض والصياح وبكل ما يحقق له الإفلات من الاغتصاب.