تحليل

تدبير فاشل لملف التعليم.. حكومة التقنوقراط تسقط في أول اختبار منذ تشكيلها

جمال بورفيسي

عاشت الحكومة التي يترأسها عزيز أخنوش، و(ما تزال) تعيش أسوأ أيامها منذ تنصيبها في 7 أكتوبر2021 من طرف الملك محمد السادس، بعد انتخابات تشريعية "سحق" فيها حزب التجمع الوطني للأحرار كل منافسيه، وتمكن من  تشكيل أغلبية حكومية مُريحة في مجلسي البرلمان .

كان الجميع يتوقع أن تكون الطريق مفروشة بـ"الذهب" أمام رئيس حكومة جديد جاء بعد عقد من حكم الإسلاميين المغاربة تميز بتوترات اجتماعية واحتقان اجتماعي مزمن جراء سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات التي كانت تؤثث الشارع المغربي لفترة أسابيع وشهور، والتي كانت ترفعها العديد من الفئات السوسيو اجتماعية: دكاترة عاطلين، أطباء، ممرضون، تقنيون...

وكان من أبرز تجليات الأزمة الاجتماعية التي واكبت فترة تولي العدالة والتنمية لتدبير الشأن الحكومي، تعطيل الحوار الاجتماعي، مما أدى إلى تنامي التوترات الاجتماعية، جراء تدابير وقرارات وُصفت حينها باللاشعبية:  تفكيك المقاصة، تحرير أسعار المحروقات، "ترقيع" منظومة التقاعد..

جاءت حكومة أخنوش، بعد طي صفحة الإسلاميين، حاملة لبذور الأمل في التغيير. بدأت بنثر الوعود والتعهدات تحت مسمى فضفاض عنوانه الدولة الاجتماعية. تعهدت بالزيادات في الأجور، ومدخول الكرامة، واستقطاب أفضل الطلبة نحو مهن التدريس، وتجويد تكوينهم، والرفع من أجورهم عند بداية المسار المهني إلى 7,500 درهم كأجرة صافية شهريا...

وعود كثيرة فتحت المجال أمام آمال عريضة نحو حاضر وغد أفضل.. قبل أن يعيد الواقع الحكومة الحالية بفريقها المكون أساسا من التقنوقراط إلى تعقيدات الوضع الاجتماعي وحقيقة ما يعتمل داخل أوساط شغيلة التعليم.. وفجرت إضرابات واحتجاجات الأساتذة أزمة حقيقية وضعت الحكومة أمام المحك، بل أمام أول اختبار منذ تشكيلها قبل أزيد من سنتين.

 اختبار لم تنجح فيه الحكومة بعد، إذ رغم الإرادة الحكومية في مراجعة النظام الأساسي الذي فجر احتجاجات الشغيلة التعليمية، وتشكيل لجنة وزارية ثلاثية لمباشرة جولة جديدة من الحوار مع النقابات، ورغم القرار الحكومي بتجميد النظام الأساسي، إلا أن التنسيقيات ما تزال متشبثة بالإضراب، ما يعني أن الحكومة لم تخرج بعد من النفق، وأننا سنكون أمام استمرار الأزمة وتبعاتها القاسية، على  رأسها حرمان فئات واسعة من التلاميذ من حقهم في التمدرس.. نحن أمام أبواب سنة بيضاء وهو ما سيشكل تحديا كبيرا أمام الحكومة التي برعت في توزيع الوعود وفشلت في تدبير أزمة ما تزال تتفاعل..

 لا يمكن تدبير الشأن العام بالنوايا الحسنة، فهذه لا تكفي، بل لابد من حنكة سياسية ومسؤولين حكوميين سياسيين وأكفاء، وهذه نقطة ضعف الحكومة الحالية، التي تتشكل من الكثير من التقنوقراط، الذين يفتقدون للحس الاجتماعي والسياسي الحقيقي والقدرة على إدارة الحوار والأزمات..

إن كان ثمة ما كشفت عنه أزمة التعليم الحالية ، فهي ضعف الحكومة في تنزيل الإصلاحات، ومنها إصلاح  قطاع التربية الوطنية، حيث عمدت إلى فرض نظام أساسي جديد من فوق دون توسيع نطاق الاستشارات والحوار، ومناقشة الأبعاد والتبعات والتأثير.. مأخوذة ربما بغرور زائد بسبب توفرها على أغلبية حكومية وبرلمانية مريحة، تسعفها في تمرير القوانين والقرارات..... 

 ما تزال الحكومة مرتبكة ولم تهتد بعد إلى مخرج من أزمة التعليم.. وليس هناك أفق من أن الأزمة ستنتهي قريبا.. بل إن إضراب الأساتذة بدأ يلهم بعض القطاعات المهنية الأخرى، على غرار موظفي الجماعات الترابية..