تحليل

المغرب ومشكلة الماء

عبدالجليل أبوالمجد

بادئ ذي بدء، يتعين الإشارة إلى أن هذه الورقة هي محاولة للوقوف عند أسباب وانعكاسات المشكلة المائية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، للتنبيه بأنه آن الأوان لإعادة النظر في سياستنا المائية حسب استراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة لكل المجتمع المغربي الحضري والريفي على حد السواء، سياسة مائية عادلة تحترم الفئات الفقيرة والمتوسطة وتفرض على الأغنياء والمسؤولين أساليب وطرق الإقتصاد في الماء، وغير ذلك لا يمكن إلا أن يعمق مشاكل المياه في المغرب. فلا أحد يدري ما القادم.

وعليه، لا يخفى على أحد أن المياه تغطي أكثر من 70 بالمائة من مساحة الأرض، لكن هذا لا يعني بأن مياه الشرب متوفرة بكثرة. إذ فقط 2,5 بالمائة من المياه على سطح الأرض صالحة للشرب، وهو أمر مثير للقلق عالميا. العالم إذن يعاني من شح المياه. وماذا عن المغرب؟

إبان عهد الحماية كان الجنرال لويس هوبير ليوطي، أول مقيم عام بالمغرب، يردد مقولته الشهيرة: “أن تحكم المغرب يعني أن يسقط المطر” Au Maroc, gouverner, c’est pleuvoir، أي أن المطر هو مفتاح الاستقرار والحكم بالمغرب، فلا استقرار بدون مطر، ولا مطر بدون استقرار. 

الاستقلال، لاسيما في الستينان والسبعينات نهج المغرب سياسة مائية ارتكزت أساسا على حماية وتخزين الموارد المائية عبر مجموعة من السدود. كما اعتمد المغرب برامج فلاحية عصرية تقوم على الزراعات المسقية تهدف تحقيق الأمن الغذائي. 

وفي السنوات الأخيرة، تم إطلاق مخطط جديد أطلق عليه "المغرب الأخضر" يهدف إلى تنمية فلاحة عصرية وتضامنية تستجيب لمتطلبات السوق، وذلك من خلال انخراط القطاع الخاص في استثمارات جديدة وذات قيمة مضافة مرتفعة. 

وهكذا أصبحت بلادنا تبيع 8 ملايير دولار من الخضر والفواكه والحوامض (المشبعة بالمياه والتي تستنزف 80 % من الموارد المائية المتضائلة عاما تلو آخر) لتشتري مقابلها 9 ملايير دولار من الحبوب، والسبب هو تقليص مخطط المغرب الأخضر والجيل الأخضر مساحة زراعة الحبوب. 

وفي ظل هكذا مخطط عرف المغرب انخفاض مستوى المياه الجوفية بسبب استغلال فوضوي للفرشة المائية من قبل كبار الفلاحين، الأمر الذي أدى استنزاف كميات المياه المخصصة للناس. 

أضف إلى ذلك، عدم الانتباه لخط ندرة المياه وتزايد عدد سكان المغرب، وكذا موجات الهجرة نحو المدن، الأمر الذي ضاعف مرات عديدة الحاجة إلى المياه، وزيادة الطلب عليها، في ظل التطور الذي شهدته مختلف القطاعات التنموية في البلاد. 

وهكذا، يبدو الواقع قد تغير تماما، فالمغرب الأخضر بات مهددا بشبح الجفاف، في ظل التغير المناخي وموجات الحر التي تضرب البلاد وتراجع كمية التساقطات المطرية وسوء إدارة المياه من طرف الأفراد والفلاحين الكبار والمسؤولين الإداريين والسياسيين، مما قد تكون تبعاته كارثية مستقبلا، ليس على الاقتصاد المغربي وحسب، إنما أيضا على النسيج المجتمعي (ارتفاع البطالة وزيادة الهجرة القروية نحو المدن الكبرى كالدار البيضاء مثلا). 

يستشف مما سبق، أن أزمة المياه أثرت سلبا في النواحي الاقتصادية، وكان أول القطاعات التي منيت بالخسائر، هو القطاع الزراعي، ثم ثانيا حصة الفرد من الماء الشروب، إذ تبلغ حاليا حصة الفرد من المياه أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، مقابل 2500 متر مكعب عام 1960، ومن المتوقع أن تنخفض هذه الكمية لأقل من 500 متر مكعب بحلول عام 2030، حسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والذي قد سبق أن حذر، من أن المياه تتعرض للاستهلاك المفرط وللهدر رغم ندرتها في المغرب. 

المطلوب بحسب المختصين، وأكثر من أي وقت مضى، هو إعادة النظر في مسألة الخارطة الفلاحية، ماذا ننتج؟ أين ننتج؟ وما هي كلفتها المائية؟ ولمن توجه هذه الزراعات؟ … وذلك من خلال معطيات بيئية وغذائية، والتركيز على أساليب إنتاج حديثة لا تؤدي إلى استنزاف الماء، مع التركيز على أولويات الإنتاج لتلبية حاجيات السوق الداخلي. 

باختصار، الماء ثروة وطنية لا تقدر بثمن، ومصادر المياه محدودة بالمغرب قياسا بالنمو الديمغرافي المتزايد، والأموال التي ترصد من أجل توفير الماء تعد بالمليارات، وكل ذلك يقتضي العقلانية والترشيد وترسيخ الوعي بالحفاظ على هذه النعمة الكبرى، لتبقى لنا وتبقى للأجيال القادمة.