رأي

الحسن عبيابة: بلاغ ذكي كيف تدبر أزمة سياسية في إسبانيا في خمسة أيام

نشر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز رسالة مطولة يوم 25 ابريل الجاري على منصة X شرح فيها للشعب الإسباني موقفه من رفع دعوى قضائية ضد زوجته بتهمة استغلال السلطة و تنازع المصالح ، تم أتخذ موقفا سياسيا أعلن فيه توقيف جميع أنشطته الرسمية كمهلة للتفكير بين البقاء أو تقديم الاستقالة يوم الاثنين 29 أبريل 2024.

إعلان هذا الموقف أربك كل الحسابات السياسية والإعلامية في خمسة أيام التي كانت تترصد برئيس الوزراء الإسباني الحالي، حيث حول التفكير من وجود شبهة فساد ضد زوجته إلى التفكير في الإستقالة وما سينتج عنها من إضطرابات سياسية في البلاد ، والعودة إلى مسلسل الإنتخابات التي مل منها الإسبان بعد إجراءها ثلاث مرات في حدود خمس سنوات ، هذا الموقف لم يتركه واحداً يدافع عن زوجته ، بل أصبح الجميع يدافع عنه للبقاء في مهامه ، بل أنه بعد 48 ساعة من إعلان بلاغه تجمّع الآلاف من مناصري الحزب الاشتراكي الإسباني في مدريد، قدّر عددهم بـ12.500 شخص خارج مقر الحزب في العاصمة الإسبانية، لمطالبة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز بالبقاء في مهامه وعدم تقديم استقالته، ورددوا شعارات مثل “بيدرو رئيساً”، ورفعوا لافتات كتب عليها “إسبانيا بحاجة إليك”، وهو ما أعتبر إستفتاء لصالح بيدرو سانشيز ،

وكما عودنا الرئيس ” بيدرو سانشيز ” على مثل هذه الردود القوية والذكية كان آخرها إعلانه عن انتخابات تشريعية مبكرة في ماي 2023 والتي كانت مبرمجة في دجنبر 2024، وهي التي فاز بها الحزب الشعبي وفشل في تشكيل حكومة في شهر يوليوز الماضي ، وقد إستطاع بيدرو سانشيز تشكيل حكومة موسعة من جميع الأطياف ، وبهذا يكون بيدرو سانشيز فاجأ خصومه من جميع أطياف المعارضة التي يقودها أخطبوط اليمين المتطرف ، والذي يكن عداء للمغرب ، وهكذا نجد أن الشخصية القيادية القوية والتكوين السياسي لسانشيز هي التي دفعته إلى الدعوة لانتخابات مبكرة في ماي 2023 ، وهي التي دفعته إلى التلويح بالاستقالة يوم 25 أبريل 2024, عقب اتهام زوجته من طرف منظمة يمينية اشتهرت بتشهير السياسيين والاعلاميين ورجال القضاء ولم يتركوا حتى رجال الدين ،

وهكذا تراجع السيد ” بيدرو سانشيز ” عن استقالته يوم الإثنين 29 أبريل 2024, لأنه حصل على الجواب الذي كان ينتظره وهو الدعم الشعبي و النفسي الغير المسبوق من طرف الشارع الإسباني ، هذا نموذج من تدبير الرأي العام بذكاء وبسرعة متناهية وبدون أضرار سياسية ، وأنا شخصيا أعتبر رئيس الوزراء الإسباني الحالي من أحسن الكفاءات الإسبانية في الحصر الحديث ، حيث إستطاع أن يدبر أهم الملفات الحارقة التي عرفتها إسبانيا ، وأهم هذه الملفات هي العلاقة المغربية الإسبانية التي تعامل في حلها وعودتها بذكاء وواقعية , حيث بلغت قيمة العلاقات التجارية بين المغرب وإسبانيا نحو 20 مليار يورو، وبذلك يعتبر المغرب ثالث شريك لإسبانيا مهم من خارج الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ال تعاون الثنائي الذي يجمع البلدين في قضايا مثل الهجرة غير المشروعة ومكافحة الإرهاب ومكافحة الإتجار بالمخدرات وغيرها.