مجتمع وحوداث

رقمنة المرافق الإدارية.. إلى أين ؟

عبد اللطيف مجدوب

حري بنا التدليل على أهمية الإدارة ، أو بالأحرى المرفق الإداري العموميPublic administrative utility ، كإحدى ورافعات المستوى التنموي في بلد ما ، فكلما كانت مؤشرات دينامية وذات حكامة رفيعة ، كلما أضحت لعجلة التنمية استمرارية في التقدم والنماء ، والعكس صحيح ، كلما كانت هذه الإدارة بطيئة ؛ تعاني من خلل بنيوي ما ، كلما تباطأت نسبة النمو وضعفت مخرجاتها ، وبالنظر إلى الدور المركزي والحيوي للإدارة والحكامة داخل الحقل التنموي العام ، اتخذتها العديد من المؤسسات ومعاهد البحث الاقتصادي مقياسا ومؤشرا حيويا ، على أساسه تم تصنيف الدول ؛ من حيث مستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي ؛ تبعا لجودة أو رداءة مرافقها الإدارية وتعاطي المواطن معها .

وفي تصنيف لمؤسسة"Galob” ومركز “أكسفورد لأبحاث الرفاهية”...نجد أن الإدارة المغربية العمومية ما زالت لم تبارح رتبة جد متخلفة منذ عقود ، بالرغم من السرديات التي ما فتئت السلطات الإدارية تحاول إدراجها داخل المرافق العمومية ، وبين أطرها العاملة ، والتنصيص عليها من قبيل "تحديث إدارة" ؛ "تقريب الإدارة من المواطنين  ؛ "الإدارة في خدمة المواطن" ؛ "لا لمصلحة المواطن في خدمة الإدارة  ، وكان آخرها "رقمنة الإدارة" ، أو ركوب تجربة "الإدارة الالكترونية".

 

أعطاب الإدارة العمومية

 

ليس هناك دراسة رصينة عن واقع إدارتنا العمومية ، بل هناك ملاحظة أمبريقية (علمية)Empiricism في صورة تراكمات للاختلالات والأعطاب التي شابتها منذ عقود ، يمكن الوقوف عند عينة منها في المؤشرات التالية :

  • غياب شبه تام للحزم ومراقبة المرافق الإدارية ؛
  • القنوات الإدارية ؛ داخل جسم مرفق عمومي ؛ صورية وغير مفعلة في معظمها ، ما زالت تحكمها البيروقراطية والفوقية الإدارية ؛
  • شبكات التواصل الإداري ، من هواتف وروابط الكترونية جد بطيئة في فاعليتها ، وأحيانا صورية ، كاستعمال المرتفق للهاتف الذي يظل أخرص أمام تساؤلات المواطن ، أما توظيف المواقع الالكترونية الإدارية ففي كثير من الأحيان يدور في حلقات مفرغة ؛ إذا استثنينا ; وفي حالات خاصة ; بعض المرافق المتصلة بقطاعات النقل والسياحة واﻷبناك ، وبعبارة القطاعات المدرة للأرباح ، وهي في ذات الوقت ; وأحيانا ، غير مأمونة كاقتناءمنتجات خارج المغرب باستعمال البطاقات البنكية ، أو يتعذر الولوج إلى هذه المواقع الالكترونية أحيانا لاختلالات تقنية طارئة .
  • ما زالت هناك حزمة من "التعقيدات الإدارية " تقف في وجه المرتفقين ، وتفضي بالملفات الإدارية ؛ في نهاية المطاف ؛ إلى التماطل حينا أو المراجعة أحيانا أخرى ؛
  • ما زالت "الزبونية " مستحكمة في هياكلنا الإدارية واستقضاء حاجيات المواطنين .

 

الرقمنة الإدارية

 

يخطو العالم حالياً خطوات عملاقة على درب "الحياة الرقمية" Digital life  ، أو "المجتمع الرقمي" Digital nation  ، وخضوع روابط التواصل والاتصالاتcommunications connection &لمنظومات رقمية ، بغرض الرفع من وتيرة الزمن وإيقاعه ، وكذا تسريع إنجازالمعاملات ، فكان لا بد من وجود خلية أولى لهذا الإيقاع والمتمثل أساسا في المرافق الإدارية ، وتحويلها إلى مرافق إلكترونية (عن بعد ) بمواصفات معينة ؛ يتعيّن على المرتفق الإداري التعاطي مع أزراره في أغراض شتى ، وضمن حقول وهياكل إدارية تسمح له بمساءلة العديد منها في استقضاء حاجياته ، وتعيين عناوين إلكترونية لتلقي الأجوبة الآنية .

    هذه الرقمنة الإدارية أو الحياة الرقمية عموماً ، حتمتها ضرورة الإيقاع السريع لعجلات النمو ، وفي آن محاولة تقليص التدخل "البشري" ووساطته في استقضاء الحاجات الإدارية ، ومن ثم العمل على الاستغناء عن الكوادر الإدارية البشرية التقليدية التي كانت تمر عبرها كل شبكات التواصل والاتصالات .

   وبهذا المفهوم للرقمنة الإدارية ، ستغدو السنة الإدارية ؛ بالمفهوم الإجراءاتيProceduralلا تتجاوز ستة أشهر ، أو بمعنى آخر ، إذا كانت "الوثيقة الإدارية" يستلزم الحصول عليها نصف ساعة سابقا ، فستصبح ؛ في ضوء هذه الرقمنة ؛ متاحة في أقل من بضع دقائق ، والصفقات بين الأفراد والشركات فسيتسنى إبرامها في أمد لا يتجاوز ثلاثة أيام بدلا من ثلاثة أشهر من الانتظار ، كما أن هامش "الأخطاء الإدارية" سيتقلص إلى الصفر ، طالما أن علاج الملفات وتدبيرها يتم بسرعة قياسية ، وفي آن واحد ستتخلص من جيوب البيروقراطية وتفشي الفساد الإداري .

 

الرقمنة الإدارية وفرص الاستثمار

 

إدارتنا أو بالأحرى مرافقنا الإدارية ؛ في عموميتها ؛ ما زالت خاضعة للنسق التدبيري العتيق والموسوم بالبطء والتماطل ، إلا أن هناك مصالح إدارية مركزية عمدت ؛ في الآونة الأخيرة وتحت ضغوطات الشكاوى الإدارية ونداءات الاستصلاح ؛ إلىتعزيز مرافقها الإدارية "بمواقع الكترونية " متاحة في وجه المواطنين المرتفقينالإداريينAdministrative easement، إلا أن التجربة أثبتت "عقمها" ، تفضي بالمرتفق ؛ في نهاية المطاف ؛ إلى حيث بدأ ! ، رقم الشكاية مصحوب برقم الهاتف أو البريد الالكتروني ، ثم مرحلة العلاج ، وأخيرا إحالته على مصلحة ، ولا تفتأ هذه الأخيرة أن تعرضه على المصلحة التي انطلق منها ! دوامة مفرغة ، أما توظيف العناوين الالكترونية الإدارية ؛ إن على مستوى المصالح المركزية أو الجهوية ؛ هو الآخر مجرد "واجهة" Vitrineغير مفعلة بالمرة ، وحتى إذا حاول المرتفق "تجريب" هاتف لمصلحة أو مرفق إداري معين ، حكمت عليه بالانتظارية لأربع أو خمس دقائق ، حتى ينفد صبره ، فيعدل عن الاتصال ثانية .

وجدير بالإشارة إلى أن عروض الاستثمار الأجنبية التي تتوافد على المغرب ، كثيرا ما تصطدم بهذه البنية الإدارية المعقدة ، فتقرر البحث لها عن وجهة استثمارية أخرى غير المغرب ، وهكذا تضيع فرص استثمارات عديدة ، لا لشيء سوى منظومته الإدارية الضاربة في القدم والبيروقراطية والتماطل .