فن وإعلام

نور الدين أفاية أو الوجه المشرق للثقافة المغربية

فؤاد زويريق (ناقد سينمائي)

"على هامش تكريم المفكر الصديق نور الدين آفاية ضمن فعاليات ندوة "الفلسفة والتفكير بالفعل"، التي تنظمها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. كان ولابد ان أبوح ببعض ما أحمله من تقدير وحب لهذا الرجل الاستثنائي علما وخلقا وأخلاقا.

لا أعتقد أن هناك في الساحة الثقافية المغربية، مثقفا عليه إجماع الأصدقاء، وحب المثقفين والفنانين، مثل ما هو الأمر مع الصديق نور الدين آفاية. مرد ذلك، نباهته وثقافته واحترامه لما يؤمن به من ممارسات ثقافية صادقة، والمساهمة في تكريس وجود ثقافي مغربي أصيل، وقبل ذلك الوفاء لقيم الصداقة والحب والإخلاص لكل ما يحيط به، اصدقاء وزملاء كانوا أو مجرد معارف واناس جمعتهم به الصدفة.

صحيح أن هناك أسماء مغربية، كثيرة ومتعددة، لها نفس ما لأفاية من نبل ثقافي وحضور انساني، أسماء من طينة الحبابي والجابري والعروي وكيليطو، لكن نور الدين، في اعتقادي المتواضع، يتميز عنهم بخاصية القرب والتواصل مع جموع المثقفين والطلبة وكل من يحمل مشروعا ثقافيا كبيرا كان أو صغيرا. إضافة الى دماثة الخلق وخفة الروح والحضور المتواصل في مجموع ما ينجز من أنشطة داخل الوطن وخارجه.

علاقتي بنور الدين أفاية، والصداقة التي تجمعني به، لا أستطيع تحديد متى بدأت بالضبط، لكن ما يمكن التأكيد عليه أنني وجدت نفسي هكذا دون سابق مقدمات قريبا منه، قريبا من كتاباته أولا، خاصة منها الكتابات السينمائية اللامسبوقة في مشهدنا النقدي السينمائي، هذا قبل أن يحصل التعارف المباشر والتواطؤ وتبادل آيات الاحترام والمحبة والتقدير. هنا، كلمة التواطؤ قد تثير بعضا من الأسئلة لدى البعض، لأجيب بكل بساطة، أنها تعني التناغم في المواقف الإنسانية والثقافية، وحب الأفلام الجميلة، والأحاديث الغارقة دائما وأبدا في تمجيد كل ما هو جميل، والتواصل الدائم المؤسس على تبادل الأخبار الثقافية، والسؤال عن الجديد فنيا، وما إلى ذلك من أمور لا تخرج أبدا عن فضاء الوقار بين تلميذ وأستاذ، طبعا انا التلميذ وهو الأستاذ. رغم أنه دائما، كان ولازال، يشعرني، وهو يحدثني، انني ند له، وثقافتي تساوي ثقافته، وهو ما جعلني دائما أقر له بفضيلة التواضع التي تنتفي عند كائنات لا تمتلك نصف ما يمتلكه من رصيد معرفي وفكري.

كتب الدكتور نور الدين أفاية، في عموميتها، ليست كتبا للقراءة والمتعة واستخلاص بعضا من المعلومات والمفاهيم والسلام، بل مسارب حقيقية تقود القارئ، كيف ما كان مستواه، نحو قارات الفكر الحر والمعرفة الخلاقة، كما تساعده على التحليق بعيدا في العوالم الفلسفية التي ليس من اليسر التحليق فيها لمن لا يملك اجنحة الرغبة وأدوات القراء والمساءلة والتحليل. من خلال لغة عالمة عارفة قادرة على تبسيط المعقد وتسهيل الصعب، يعني لغة تجعلك تعشق فعل القراءة وتتوحد مع دنيا الكتابة وتغوص رغم انفك في اشكاليات حداثية وأخرى معاصرة لفكر إنساني ممتد من العصر اليوناني وحتى آخر ما كتبه سادة التنظير الفلسفي المعاصر عبر العالم.

قوة هذا الرجل المفكر والناقد الحصيف المسمى نور الدين آفاية، أنه استطاع، رغم انشغالاته الفكرية الفلسفية العديدة، أن يخصص وقتا ثمينا، ويفرد صفحات وصفحات للسينما كفن دال على العمق الحداثي للأزمنة المعاصرة، ويتحاور معها كمجال تقني وانتاجي يسائل العالم من موقع صناعي ثوري لا مجال فيه للمساومة، أو البحث عن انصاف الحلول التي تنجب افلاما شائهة تنتصر للمادة على حساب الجودة، الجودة التي تعني أعمالا خالدة تحمل بعضا من سر الوجود، وتنفعل مع هذا الوجود، دون هروب أو بحث عن مبررات لتبرير ما لا يبرر ابداعيا.

لم تعد الكلمات كافية للتعبير عن عمق تقديري لسي نور الدين، لما منحه لي، ولسنوات طويلة، من مشاعر الود والتقدير، وقبل ذلك اعتباري صديقا له، رغم فارق السن والثقافة والحضور. لهذا، ومن أجل صداقتنا التي لا حدود لها غير حدود التقدير والاحترام، بل من اجل مكانته العلمية العالية، ووفائه لقيم البحث والمعرفة الخلاقة، وتمثيل المغرب في المحافل العالمية، لا يسعني إلا أن اقول وأردد كلما سنحت لي الفرصة: كم أنا محظوظ بمعرفة نور الدين، الإنسان الخلاق، وسعيد بصداقته الإنسانية العميقة، وسعيد أكثر واكثر بما قرأت له من انتاجات فكرية ونقدية، كتب وبحوث ومقالات ستظل، ولا شك نبراسا للأجيال القادمة. لهذا لا يسعني إلا أن أشكر الظرف الذي فتح لي باب معرفة وصداقة شخصية يمكن اليوم اعتبارها آخر القلاع الحقيقية لمواجهة زحف الجهل الذي يهدد وجودنا ويستحوذ على فضاءات جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية والأدبية والفنية.

شكرا صديقي سي نور الدين آفاية لأنك موجود بيننا والى جانبنا، تلهمنا وتمنحنا، نحن عشاق البحث والكتابات، الكثير من الأمل في أن نكون بشكل افضل خلقة وخلقا، وان نحب الآخرين، وان ننتصر للوطن وقيم الإنسانية وكل ما هو سام وجميل.

كم نحبك........