رأي

الصديق معنينو: "التقية"

طيلة خمسة قرون، عاشت الجزائر تحت الاحتلال التركي ثم الاستعمار الفرنسي... اهتم الأتراك بالشريط المطل على البحر الأبيض المتوسط، أما الفرنسيون فقد وسعوا المجال على أساس أن أرض الجزائر هي جزء من التراب الفرنسي - خلال هذه المدة لم تكن هناك دولة اسمها الجزائر، وذلك لسبب بسيط إذ لم يكن هناك رئيس أو حكومة أو علم أو إدارة أو عُملة أو وجود دبلوماسي... لذلك يمكن اعتبار سنة 1962، هو تاريخ ميلاد دولة صنعت جغرافيتها فرنسا وأطلقت عليها اسم الجزائر.

إدارة عسكرية

عمر الجزائر اليوم، ما يقارب ستين سنة... هي الآن مجال ترابي واسع تحت إدارة عسكرية، لا خبرة لها في ميادين الإدارة والاقتصاد والتنظيم، ورثت عن الاستعمار الفرنسي أجزاء واسعة من دول الجوار، وخاصة من المغرب وتونس، لذلك نجد العسكر من المدافعين الشرسين على احترام "الحدود الموروثة عن الاستعمار".

 منذ البداية سيطرت النخبة العسكرية على مقاليد الحكم، وقضت على كل صوت معارض، وتمت تصفية عدد من القادة التاريخيين داخل الجزائر وخارجها. هكذا تناوب العسكر على قيادة الجزائر، وباستعماله للقبضة الحديدية، كان يردد بأنه "الوريث الشرعي والوحيد" لجيش التحرير الوطني.... منذ البداية، ظهرت أطماع توسعية للهيمنة... قال بومدين "الجزائر هي القاطرة وباقي دول المنطقة عربات"، وقال وزير الخارجية «الجزائر» هي القوة الوحيدة اقتصاديا وعسكريا وباقي دون شمال إفريقيا لا أهيمة لها" وصاح تبون "الجزائر قوة ضاربة" ولتبرير الهيمنة العسكرية كان لابد من عدو داخلي وعدو خارجي، لذلك يردد حكام الجزائر ... "بلادنا مستهدفة" وعدونا الكلاسيكي هو المغرب....

عزلة تامة

وككل الأنظمة الديكتاتورية تعيش الجزائر في عزلة تامة بعد فشلها في تأسيس "الدولة الأمة" معتمدة على شعار فضفاض يُردد كالببغاء بلاد "ملايين الشهداء" دون النجاح في بلورة مجتمع يحترم الأعراق واللغات والتقاليد يجمعه شعور انتمائي مشترك، وأهداف مستقبلية محددة وواضحة المعالم.... وكنظام فاشل اعتمد القوة عوض الحوار والقمع عوض الحرية والعسكرة عوض الديمقراطية.

هذه الوضعية، وما عاشته البلاد خلال العشرية السوداء، عزز النزعة الانفصالية ليس فقط في جبال الأوراس عند القبائل، ولكن في الصحراء الشرقية، وفي الجنوب مع شعبي الطوارئ والأزواد... فهل سيسمح العسكر باستفتاء شعوب هذه المناطق لمعرفة توجهاتها المستقبلية...؟ أم سيتجاهل وضعية هي في الحقيقة قنابل مرشحة للانفجار.

الإصرار المرضي

هكذا وعوض فتح المجال أمام الشعب الجزائري، لتقرير مصيره، واختيار نظامه، وتحديد أولوياته والتخطيط لمستقبله بكل حرية وشفافية.. عوض ذلك يواصل العسكر، بنوع من "الإصرار المرضي" التشبث بالحكم وخلق أجواء من التوتر في المنطقة وتوجيه التهم البئيسة والخيالية للجيران... لا يشعر العسكر بأن هذه "الرياضة المفضلة" عنده لم يعد لها أي صدى عند الشعب الجزائري، بل لم تعد لها أية مصداقية في الجزائر وخارجها... فمتى سينجلي الظلام عن الأشقاء في الجزائر ؟ يقول مثل افريقي "الأحمق يتكلم والحكيم يستمع"

الشعب الشقيق !

مع يبدو فجأة بث موقع إخباري حديث العهد، لقطات مثيرة لاستجواب أجرته قناة "فرنسا الدولية". الرئيس الجزائري تبون... قال تبون... "ليس بيننا وبين الأشقاء المغاربة أية مشكلة.... يبدو أن لهم مشكلة معنا..." وأضاف... "ليس لنا أي مشكلة مع الشعب المغربي الشقيق وليس بيننا أي مشكل مع ملك المغرب..... إذا أخذ المغاربة المبادرة، وهم قادرون على أخذها، فسيتم الإغلاق النهائي لهذا المشكل..."

يبدو أن هذه اللقطات هي جزء من استجواب لم يتم بثه نهائيا، وأن العسكر قام برفض ما جاء فيه، وأن العصابة تدخلت لعدم تقديمه للنظارة ... فلماذا إذن تم منعه من البث؟ ومن كان واء هذا التسريب؟ وهل تدخلت مصالح الأمن الفرنسي لتوقيفه ؟ أم أن العسكر الجزائري طلب تدخل رئاسة الجمهورية الفرنسية؟ وبالتالي ما تضمنه الاستجواب، غريب ومثير ومدهش خاصة ما تم ترديده وبإلحاح من عبارات الأخوة للمغاربة... والشعب المغربي الشقيق... والدعوة إلى اتخاذ مبادرة للإغلاق النهائي للخلاف بين البلدين...

الاضطراب

والسؤال... لماذا كلام تبون مثير ومدهش؟ لأنه يختلف مع الاتهامات المتتالية للمغرب في الدوائر الرسمية وفي وسائل الإعلام الجزائرية، ومنع ذكر اسم المغرب حتى لو تعلق الأمر بالمقابلات الرياضية..... كل هذا يضع مجموعة أسئلة محيرة ؟؟؟ لكن الجواب هو أن الرئيس الجزائري، بمعاشرته اللصيقة بحلفائه الإيرانيين أخذ عنهم "التقية" كأسلوب للحكم... و"التقية" هي عصارة النفاق والخداع والكذب... أن تقول للشخص عكس ما تؤمن به تعانق من تتمنى خنقه... وبالتالي فتبون يكذب على الشعب ينافق حلفائه ويخدع جيرانه... تبون بتصرفه هذا تفوّق على أساتذته وأعطى للتقية بعداً مرضيا ولا أخلاقيا يوحي باضطراب نفسي عميق.