تحليل

الأرقام الخادعة للميزان التجاري وحقيقة الأمن الغذائي

عماد عادل (باحث)
كشفت البيانات والإحصائيات التي أفرج عنها مكتب الصرف مؤخرا بخصوص حصيلة المبادلات الخارجية للمملكة برسم سنة 2023، عن فشل ذريع للسياسات الحكومية في تحقيق واحد من أهم الوعود التي أطلقها وزير الفلاحة السابق ورئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، منذ 15 عاما، حين وعد المغاربة في أبريل من سنة 2008 بأن "مخطط المغرب الأخضر يراهن على تحقيق الأمن الغذائي للمغرب في أفق 2023"، حيث تظهر الأرقام أن المغرب وإن كان يبدو في الظاهر قد أصبح أحد أكبر المصدرين للمنتوجات الفلاحية، مازال في الواقع أبعد ما يكون عن ضمان أمنه الغذائي.

تبدو الأرقام الصادرة عن تقرير مكتب الصرف خادعة، عند قراءتها من زاوية واحدة: فقد صدّر المغرب هذا العام أزيد من 83 مليار درهم من الخضر والأسماك والمصبّرات والفواكه والحوامض... إلخ. أي أن صادرات منتوجاتنا الغذائية جلبت للبلاد ما يزيد عن 8 ملايير دولار من العملة الصعبة، وهذا في حد ذاته رقم ضخم وبالغ الأهمية يحسب لمخطط المغرب الأخضر ولوريثه "الجيل الأخضر"، حيث لم تكن صادراتنا الغذائية قبل هذا المخطط تتجاوز 1.5 مليار دولار (حسب احصائيات 2008).

غير أن التقرير يخبرنا في مكان آخر، بأن المغرب كان في حاجة إلى نحو 90 مليار درهم لتأمين حاجياته الغذائية هذا العام ، بعدما ارتفعت الفاتورة الغذائية للبلاد خلال 2023 بأزيد من 3 ملايير درهم ، حيث تفيد بيانات مكتب الصرف الأخيرة أن واردات القمح وحدها كلفت حوالي 20 مليار درهم، فيما عرفت جميع المواد الغذائية التي اقتناها المغرب من الخارج ارتفاعا ملحوظا سواء من حيث القيمة أو من حيث الحجم.

وأفادت الإحصائيات أن فاتورة استيراد الحيوانات الحية (أي قطيع الأغنام والأبقار التي أصبح المغرب يلجأ إلى جلبها من الخارج بعد عقود من الاكتفاء الذاتي) كلفت حوالي 3 ملايير درهم بينما ناهزت فاتورة استيراد السكر11 مليار درهم .

وهكذا، يسلط الميزان التجاري للمغرب الضوء على حقيقة صادمة مفادها أن بلادنا أصبحت تبيع 8 ملايير دولار من الخضر والفواكه والحوامض (المشبعة بالمياه والتي تستنزف 80 % من مواردنا المائية المتضائلة عاما تلو آخر) لتشتري مقابلها 9 ملايير دولار من الحبوب التي قررنا في مخطط المغرب الأخضر والجيل الأخضر، أن نقلص مساحة زراعتها (من 6 مليون هكتار إلى 1.5 مليون هكتار) ونستبدلها بزراعة البطيخ والأفوكادو والطماطم..

وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: من هم المغاربة الذين استفادوا من 8 ملايير دولار المتحصلة من بيع المنتوجات الفلاحية وإغراق الأسواق الأوربية؟ وكم عدد هؤلاء الفلاحين/ المصدرين الكبار الذين سيتحول هذا المبلغ الهائل من العملة الصعبة إلى حساباتهم؟ هل استفاد ملايين المزارعين الصغار أم أن الأمر مقتصر على كبار الفلاحين الذين قام مخطط المغرب الأخضر بتمويل استثماراتهم بنسب وصلت إلى 80% أو تم لفائدتهم كراء أراضي الدولة أو شرائها بأسعار جد تفضيلية، أو أولئك الذي يتم في كل قانون مالي إعفاؤهم من الضرائب؟...

في المقابل يطرح السؤال الآخر الذي لا يقل أهمية: كم عدد المغاربة الذين أصبحوا يؤدون اليوم مكرهين فاتورة 90 مليار درهم من القمح والغذاء المستورد ويتحملون في نفس الوقت غلاء أسعار الطماطم والبطاطس والبصل كلما ارتفعت وتيرة التصدير نحو أوربا شمالا أو نحو موريتانيا جنوبا ؟