قضايا

من "الطاجين" إلى "الطاكوس"

سعيد بنيس ( عن الفايسبوك)
من "الطاجين" إلى "الطاكوس" 
------------------------------------------------------------------------------
في علاقة التحولات الاجتماعية بتغير العادات الغذائية للمغاربة، يمكن اعتبار أن الدخول إلى العهد الرقمي أسهم في تلك التحولات، حيث اكتشف المغاربة وصفات جديدة أقبلت عليها كل الفئات العمرية في إطار تجريب مطابخ أخرى جديدة. وبموازاة هذا المعطى مكن توافد مستثمرين جدد من مدارس مطبخية مختلفة تقريب المستهلك المغربي من ألوان مغايرة لما ألفه من وصفات أجنبية (الفرنسية والأسيوية) ، فتعرف من خلالهم على أطباق جديدة وخاصة منها المكسيكية ك"الطاكوس" تلائم متطلباته اليومية وقدراته المادية .ولابد من الأخذ في الاعتبار أن المعطى المادي عامل محدد في اختيار الوجبة التي سيتم تناولها، فإضافة إلى عنصري السرعة والقرب من خصائص المطبخ المغربي (التوابل)، فهي تتميز بثمنها المناسب للقدرة الشرائية للمواطن .
 كما أن نسق التحول المجتمعي أفضى إلى انتقال المغاربة من مجتمع منغلق إلى مجتمع منفتح حتى في عاداته الغذائية، فبعد ما كان الأكل داخل البيت طقسا مقدسا ومباركا عند جميع أفراد الأسرة، أصبح الأكل في الخارج ولو مرة واحدة في الأسبوع من العادات القارة والطقوس المتفقة عليها داخل الأسرة بمختلف طبقاتها الاجتماعية. وبعد أن كان من غير المقبول مجتمعيا أن تقوم الأسر بشراء الأكل من خارج البيت مع ما في ذلك من مساءلة لقدرة المرأة على تدبير شؤون المنزل، بات الجميع معتادا على رؤية أسر كاملة تتناول غذاءها أو عشاءها بالخارج مجتمعة وملتئمة على وجبات بعينها مما أدى بها إلى هجرة ومقاطعة  "الطاجين" والالتئام والاتفاق على وجبات مثل "الطاكوس".
وانطلاقا من هذا الطقس الجديد تمكنت الوصفات التي تعرض بالخارج من التسلل وشق طريقها داخل البيت، وأصبحت تعد منزليا لكلفتها المنخفضة مقارنة بالمطاعم، لاسيما بعد اعتماد مجموعة من المؤسسات التعليمية التوقيت المستمر، إذ وجدت الأسر في تلك الوصفات الحل الأنسب، وصارت تحضر لأبنائها وجبات سريعة من مطابخ مختلفة عن المطبخ المغربي  أشهرها "الطاكوس". من هذه الزاوية يبدو أن تغير العادات الغذائية داخل المجتمع المغربي أسفر عن نوع من "الغرائبية المطبخية"    (Exotisme culinaire)  في المائدة المغربية، وهو ما يطرح تساؤلات بخصوص تدبير الثقافة الغذائية، لاسيما بالنسبة للأطفال الذين هم في حاجة لوجبات ذات قيمة غذائية عالية ومفيدة.
لهذا أضحت الحاجة ملحة إلى إجراء بحث وطني تحت رعاية وزارتي الصحة والتعليم، من طرف فرق بحث متعددة التخصصات، للوقوف على الظاهرة ورصد امتداداتها داخل المجتمع، وذلك من أجل الحفاظ على التراث المطبخي المغربي وحمايته من خلال القيام بحملات التوعية داخل المؤسسات التعليمية بهذا الخصوص، لفرملة الإيقاع السريع والانتقال الاضطراري من "الطاجين" إلى "الطاكوس" وتعميقا للانتماء الوطني للتلاميذ والأطفال، وكنوع من أنواع التنشئة  على ترسيخ الشعور ب"التمغربيت".