قضايا

" قصة بابا ميمون الكَناوي و هنية الملْيانِيَّة "

عبدالرحيم الشراد

في البداية أود أن أشير إلى أن التراث الكناوي زاخر بالأغاني التي تحكي عن قصص، أبطالها من كناوة . كهذه القصة التي تدور أحداثها بمنطقة " مليانة " بالجزائر . شخصياتها ، بابا ميمون الكناوي و هنية المليانية .

هذه الأغنية الشعبية كثيرا ما نتغنى بها دون أن نعرف أصولها و لا حتى قصتها . بداية القصة تكون في ذات ليلة من فصل الخريف . بابا ميمون الكناوي ، بابا ميمون كالعادة يحمل آلة السنتير و يقف أمام البيت حيث تقيم هنية ، الفتاة التي أحبها من قلبه . لكن الفتاة تسخر منه .. " الكناوي يا ساداتي .. لكناوي بابا ميمون .. الكناوي جَالْ البُلدان .. جاب خادم كناوية .. كتاكُل اللحم اخضر .. واش كتاكل البَرَّانِيَّة ؟ " الحقيقة أن بابا ميمون لم يتزوج و لم يُحْضِر أي امرأة . لكن هنية ، تسخر منه و تسأله إن كانت هذه المرأة التي أحضر معه تأكل البَرَّانية ( أكلة جزائرية تحضَّر باللحم ) .. و كأنها تقول له ، إن هذه المرأة التي أحضرت معك ، ليست متحضرة مثلي ، إنها مجرد متوحشة تفترس اللحم النَّيِّء . 

فيرد عليها بابا ميمون ، و كأنه يطلب منها أن تفتح له الباب لكي يدخل .. " راني في باب الدار .. الشتاء و البرد اعليا و العجاج اعمى عينيا .. " . و عندما يدرك أنها لن تفتح له الباب ، يبحث عن حيلة أخرى ، فيشرع يطلب منها أن تمده ببعض الطعام الذي يمكن أن يستعين به على السفر و سينصرف . " آ لالة ، ميرة " ( ميرة  أو الميرة، كلمة عربية فصيحة معناها الطعام الذي يعين الإنسان على السفر ولا علاقة للكلمة بالجن ) . و كأن بابا ميمون يستجدي هنية قائلا لها ، أرجوك يا سيدتي أن تمُدِّيني ببعض الطعام أستعين به على الطريق . لكن هنية تجيبه بكل مكر .. هاك الجاوي .. هاك البخور .. بابا لكناوي .. خويا الكناوي .. هاكَ و العاطي مولانا " . بمعنى ليس عندي ما أعطيك من طعام . فأنت مجرد كناوي لا تستحق إلا الجاوي و البخور . في هذه اللحظة ، تفتح هنية باب البيت فينظر إليها بابا ميمون الذي أعجب بقامتها الطويلة و لباسها الذي زادها جمالا . فيقول .. " إو الله ( أي و الله ، للتعجب ) .. إو الله نخلة امجردة في مولى مليانة ( سبق و أن قلت أن مليانة توجد بالجزائر ، زاوية مليانة حيث يوجد ضريح أحمد بن يوسف الراشدي (1435-1524) .. يواصل بابا ميمون كلامه ، قائلا .. " شهدو اعليا يا حبابي .. كونو من شهودي .. هذي هي الهالكاني .. الخارجة في عودي .. شافت فيا كنشوف فيها .. حدرات عينيها .. سيدي ربي يا العالي .. انت تهديها .. " . إنها تتباهى أمامه بجمالها و تشعره بأنه ليس في مستواها .. لذلك سرعان ما سيرد لها الصاع صاعين . سيقول لها ، اذهبي إلى " تاورة " ، و هي منطقة بالجزائر ، لقد اعتدت أنا الذهاب إليها و هناك سترين الأبكار اللواتي هن أجمل منك .. " ارواح أوا ل"تاورة " را انا موالف بيها .. تشوفي العزبة امْحَنّْيَة و لخواتم في ايديها .. تشوفي الكُصَّة امْجَرْدة و الغَرْبي يدِّيها .. و الزين الزين ما خفاني إلى هز انقابو .. عينو كحلة امريشة ( رموش عينيها طويلة ) و الفلجة واتاتو .. ( هذا المقطع وظفته مجموعة ناس الغيوان في أغنيتها الهمامي ) . لكن هنية تواصل سخريتها و تقول له ، ما أرى هذه التي تتحدث عنها و تصف جمالها و تقول إنها في " تاورة " إلا امرأة تشبهك ، فأنت ميمون و هي لن تكون إلا ميمونة .. " سعدي بلالة ميمونة .. فرحي بلالة ميمونة .. إيه آ الكناوية .. " . لكن ميمون سيعرف كيف يرد على كل هذه السخرية و يجعل هنية تنقاد أمامه,, " قلتي تجي و ما جيتي .. ما زال الحال يجيبك آه يا الكناوية .. " . سيشرع في العزف على السنتير و سيكون للأنغام التي سيصدرها تأثير سحري على هنية التي ستنقاد له .. " نمشي على كفوف يديا نخدم سيدي بالنية " .. فيرد عليها بابا ميمون يحثها على المزيد من الرقص .." جذبي يا لالة هنية .. مجذوب يا زينة السمية .. جذبي يا لالة هنية .. " . في الختام أود أن أشير إلى أن هناك مهرجانا لموسيقى كناوة يقام منذ سنوات . لكن للأسف لا يستدعينا نحن كباحثين من أجل قراءة نصوص أغاني كناوة و موسيقاهم . إن النظرة الإثنوغرافية للتراث لا يمكن أن تستجلي كوامنه و البحث في ثنايا تفاصيله . ( عبدالرحيم شراد ) . مع خالص تحياتي . بقي أن أشير إلى أن الصورة كما هو مبين ، لكناوي من مدينة وهران بالجزائر .