تحليل

جامِعاتُ الوَلاءَات لا الكَفَاءات !

صلاح بوسريف ( باحث و شاعر)

 

السَّيْلُ بلغ الزُّبَى يا أحزاب الحكومة. كُلّ حزب أمْسَك بالسلطة، ملأ المؤسَّسات، والوزارات، والوظائف، والمسؤوليات بمن يتبعونه، أو من يوالونه، أو من هُم من الأقربين، وكأنَّ المسؤولية في إدارة شؤون البلاد، هي تَرِكَة يتقاسَمُها من يعتبرون أنفسهم الورثة الشرعيين لمن سبقوهم، دون أن يكون لهذه المهام، ولا لهذه الوظائف، والتَّعْيينات، أي معيار، يُفِيد أنَّ من فيها اسْتَحقُّوها، أو هُم من سيَحُلُّون مشكلات القِطاع، أو المؤسّسة التي احْتلُّوها، ما جعل الكثير من هؤلاء، لا يتركون وراءهم أي أثر، بل الأماكن التي دَاسَتْ عليها أقدامهم، تتحوَّل إلى أرض يَبَابٍ، لا ينبث فيها زَرْعٌ، وهذا، لا فرق فيه بين يمين ويسار، وبين إسلاميين، كما يدَّعُون، و عَلْمانيين، فالبلاء واحِدٌ، بأكثر من وجه، وبأكثر من قِناع، إلا من رَحِمَ رَبُّك.

ولعلَّ بين أخطر المُؤسَّسات التي انتشر فيها هذا النوع من التَّتْرِيك، وتقاسُم الغنائم، الجامعات المغربية، بِكُل تخصُّصاتها وشُعَبِها، وأيضاً المدارس العليا، والمراكز التربوية. وكم كَتَبْنا نقول إنَّ ما في الجامعة من أعطاب، هو بسبب هذه التَّعْيينَات، وبسبب اختبارات انتقاء الأساتذة من حامِلِي شهادة الدكتوراه، التي يكون فيها حَيْفٌ كبيرٌ، أو بسبب شهادات الدكتوراه التي هي نفسها فيها خلل، في الإشراف، وفي التأطير، وفي من يشرفون عليها، ما لم يكونوا أساتذة باحثين، ليس بالصِّفَة، بل بالفعل، وبما يجُرُّونَه خلفهُم من معارف، وعلوم، ولُغاتٍ، وكتابات، وأبحاث، ومُساهمات علمية في الندوات، والمُؤتمرات، وفي اللقاءات العلمية والمعرفية في المغرب، كما في خارجه.

وإذن، فالوضع مُحْرِجٌ، والمريض الذي ندَّعِي عِلاجَة، كُل دواءٍ نُعْطِيه له، لا يُشْفِي، بقدر ما يُضاعِف الانهيار والاختلال، لأنَّ من يقترحون الدَّواء، غير جديرين بما يقترحونه، أو يفرضونه، بالأحرى، من وصفات مغلوطة، تشي بالجهل، أو بالرغبة في الإجهاز على الجامعة، وعلى ما تبقَّى فيها من ضوء، وهو قليل وحَسِيرٌ.

حين يخرج أستاذ جامعيّ، من الأساتذة القليلين الذين ما زالوا يحفظون ما بقي من ماء في وجه الجامعة، ليصرخ بأعلى صوته عن تعيين شخص في منصب جامعي مهم، دون أن يكون لا باحثاً. ولا كتب أو أصدر ما يدُلّ على وضعه كباحث، ولا هو سبق أن أشْرَف على ماستر ما، أو على شهادة دكتوراه واحدة، أو عرف من معه في الجامعة ما يكون عقلُه، ولا كيف يفكَّر، أو ما يمكن أن يقترحه من أسئلة، ومن قضايا تَهُمّ الجامعة، وتَهُمّ البحث المعرفي، الذي غلطاً نُريدُه أن يكون عِلْماً، خصوصاً في كليات الأداب، وشُعَب الأدب ، فهذا معناه أن السَّيْل فاقَ الزُّبَى، وأنَّ الجامعة تُـحْتَضَر، بمن نضعُهُم حيث لا يستحقونه من مناصب، ولا من مهامّ، في الإدارة، أو في غيرها مما هو قرارٌ، ومصير.

إذا قُمْنا بإعمال المِطْرَقَة في الجامعة، بالمعنى النِّتْشَوِيّ، فلن يبقى من أصنام الجامعة إلا الغُبار، وما يتفتَّتُ من شظايا هذه الأصنام التي ليس لها صوتٌ، ولا هي حيَّةٌ تَهَبُ الحياة لغيرها، بل هي صنيعَةٌ، وهي أداةٌ، لا خَيْر فيها ما لم تَكُن فَنّاً، أو منحوتاتٍ هي تعبير عن خيالٍ مُبْدِع خلّاق.

الجامعة، ومعها المدرسة، ليست شأنَ حزب أو نقابة، أو مُتنفِّذين، ممن لهم لَهُم يَد في كُلّ مكان، ولهم عين ولسان، يُقرِّرون مصائر المؤسسات، ومصائر من يكونون فيها، بل إنَّ الجامعة، والتعليم، عموماً، شأن بلَدٍ، ووطَن، وأمَّة، وشعبٍ، وعلينا لحماية البلد، ولحماية الوطن، والأمة، والشعب، أنْ ننتصر للكفاءات، لا الولاءات، وأن نضع الرَّجُل المُناسب، في المكان المُناسب، وهذا يشمل الوزراء، كما يشمل كُلّ من يكون في يده مصير الوطن، خصوصاً ما يمسّ فيه العقل والفِكْر والخيال، بل الوِجْدان...