قضايا

مدونة الأسرة تغرق في حوض دموع التماسيح...

محمد الشمسي (محامي)

هل تستحق مدونة الأسرة كل هذا التباكي من التيارين المحافظ والحداثي؟ ولماذا لم يُقدِما بنفس الحمية على مناقشة باقي القوانين من الجنائي والمسطرتين الجنائية والمدنية؟ ثم ماذا أعد كلاهما من مشاريع تنموية للنهوض بالأسرة اقتصاديا واجتماعيا وتربويا؟، لاسيما وان حصة الأسد من أسباب الطلاق وتشرذم الأسر هو مادي صرف يقوم على عجز الزوج عن الإنفاق لعطالته وانعدام فرص العمل في مجتمع يعاني اقتصاده وينزف... 

_ مدونة الأسرة قانون الاستثناء:

لا خلاف في أن فصول مدونة الأسرة تهم العلاقات الزوجية التي تشققت وتسرب إليها الخلاف وغلب تنازعها على رحمتها ومودتها، ولا خلاف في أن عدد الأسر التي تهتز بفعل عدد من العوامل هي قليلة جدا مع عدد الأسر الآمنة المطمئنة التي لا تعرف محكمة الأسرة، ولا بنود مدونتها، لذلك جاز وصف مدونة الأسرة بقانون الاستثناء الذي يهم شريحة تبدو قليلة جدا مقارنة مع غيرها، وعليه يخوض التياران حربهما الطاحنة غيرة منهما (وهي تبدو غيرة مزيفة) على العلاقات الزوجية التي ساءت أحوالها، والتي لا تشكل سوى نزرا صغيرا جدا بين مجموع العلاقات الزوجية الناجية من التصدع. 

_ الإرث قميص المعاوية:

في الوقت الذي يتشبث فيه التيار المحافظ بالإبقاء على نظام الإرث كما نص على ذلك القرآن الكريم وفصله تفصيلان، ويرى أن جعل حظ الذكر مثل حظ الأنثى في الميراث فيه جرأة على دين الله الذي هو دين الدولة، ويختفي هذا التيار خلف آيات المواريث، ، ويرفض المس بالولاية والقوامة الثابتة للرجل باعتباره أذكى وأقوى وأفضل من المرأة لجنسه وليس لكفاءته، بالمقابل ينادي غلاة المساواة بإقرار المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة دون انتباه منهم من أن مطلبهم هذا تعتريه عوائق تحول دون تنزيله تقوم على اختلاف درجات قرابة تلك المرأة مع ذلك الرجل من الهالك المورث، فالبنت ليست في مقام الزوجة وهذه الأخيرة ليست في مقام الأم وهذه الأخيرة ليست في مقام الأخت ولا العمة ولا الجدة، وهؤلاء لسن في مكانة ابن الهالك ولا أبيه ولا شقيقه ولا عمه ولا جده، وقس على ذلك...

لكن يعاب على الفريقين عدم استنادهما على دراسة علمية توضح وتبين دور الإرث في صناعة وإنتاج الثروة وفي الناتج الوطني، فهل الشعب المغربي موسر لدرجة أن الموتى يخلفون ثروات طائلة يتوجب التساوي في اقتسامها بين الورثة رجالا ونساء؟ نقول هذا ونحن نستحضر أن أغلبية أسباب الطلاق تكون بعجز عن الإنفاق المرتبط بهشاشة الاقتصاد الذي لا ينتج فرص شغل، ليتضح أن الإرث هو مجرد قميص عثمان الذي يلوح به كل من التيارين ليبارز خصمه ويقصفه بما أوتي من أسلحة. 

_ مدونة الأسرة والظلم الكبير:

تعتبر مدونة الاسرة نصوصا قانونية كغيرها من المدونات والقوانين والمساطر، وأفرز هذا القانون ويفرز جورا كبيرا ضحيته أبناء وبنات الأسر المفككة في الدرجة الأولى، وخلفهم المرأة الأم في الدرجة الثانية، دون استثناء بعض الرجال الأزواج في درجة ثالثة وإن بنسبة قليلة، هذا الجور يتمثل في عدم إنفاق الأب على الأسرة لأسباب مرتبطة بفشل الاقتصاد في توفير فرص شغل للجميع، وهو ما ينعكس سلبا على كل الأسرة أمام قلة حيلة الزوجة التي تجد نفسها رفقة جيش من الأبناء بلا معيل ولا مأوى، وهو ما يفتح أمامها بابا من أبواب محنة لا تنتهي، حيث يمنعها القانون من الولاية على أبنائها ويمنحها للأب غير المنفق وغير المهتم بصغاره، ولاية تعجز معها الأم على تنقيل صغيرها من مدرسة إلى أخرى، وتعجز عن تسفيره رفقتها خارج ارض الوطن دون موافقة ذلك الأب، وكانت ممنوعة حتى من استصدار جواز سفر للمحضون في غياب إذن الأب، بالمقابل يقف هذا الأخير متربصا بطليقته إن هي تزوجت وبلغ المحضون سبع سنوات فما فوق ليقايضها بالتنازل له على النفقة مقابل عدم رفع دعوى اسقاط حضانتها، لتضع الام خيار زواجها كحق طبيعي في كفة، واحتفاظها بفلذات أكبادها المحضونين في كفة ثانية، مثلما يبتزها عند إنجاز جواز سفر المحضون وعند الموافقة لها على تسفيره معها خارج البلد، أما هو فلا حرج عليه في أن يكرر زواجه مثنى وثلاثا، ويصبح نقل المحضون ليعيش مع زوجة الأب عملا مشروعا رغم الغل الأزلي الذي تكنه زوجة الأب لأبنائه من زوجة أخرى.

في المجمل تبقى قضايا القدرة على النفقة وتدبر الأم لمسكن و لنفقة أبنائها عند امتناع أبيهم أو عسره، وتحملها هزالة ما تحكم به المحاكم من نفقة على الزوج، و كذا الحضانة والولاية وغياب مؤسسة وسيطة بين المطلقين لصون الطفل، عالقة تحتاج إلى ابتكار حلول ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وتربوية واقعية، و ليس فقط الاستقواء بالنص الديني أو بالاتفاقيات الدولية بما يجعل الأطفال الذين تفككت أسرهم يخرجون من نكبتهم بأقل خسارة ممكنة، ويرفع الحمل عن كاهل الأمهات اللواتي يجدن أنفسهن بمفردهن يعلن عيالهن بلا مورد ولا مدخول، و أمام غياب الغيرة الحقيقية على الأسرة تبقى دموع الطرفين من التيارين أقل قيمة وشأنا من دموع التماسيح، وتبقى الأسرة بالنسبة لهما حلبة يتقاتلان فوق جثتها.