تحليل

السياحة بين وهم الأرقام وواقع الانهيار الصامت

إدريس الفينة (محلل اقتصادي)

تُعتبر السياحة إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المغربي، حيث تسهم بنسبة تقارب 7% من الناتج الداخلي الخام، وتوفر مصدر رزق مباشر وغير مباشر لأزيد من 2.5 مليون مغربي. ومع ذلك، فإن الأرقام التي تُعلنها وزارة السياحة، والتي تجاوز فيها عدد الوافدين 14.5 مليون سائح خلال سنة 2024 بمداخيل فاقت 110 مليارات درهم، لا تعكس بالضرورة الواقع الفعلي للقطاع الذي يعيش على وقع اختلالات بنيوية عميقة.

فبالرغم من الزخم الرقمي، يبقى إنفاق السائح في المغرب من بين الأضعف مقارنة بالوجهات المنافسة، إذ لا يتجاوز متوسطه 400 دولار، في حين يصل إلى 750 دولارًا في تركيا، ويتعدى 1,100 دولار في إسبانيا. كما أن 65% من حركة السياحة تظل محصورة في محور مراكش–أكادير–الدار البيضاء، مما يكرّس هشاشة العرض السياحي وتهميش باقي المناطق التي تزخر بمؤهلات طبيعية وثقافية غير مستغلة.

الواقع الميداني يعج بمظاهر الإهمال والفوضى التي تعرقل مسار السائح منذ لحظة وصوله. ففي قلب مدينة مراكش، يتعرض الزوار لمضايقات متكررة من طرف مرشدين غير مرخّصين وأطفال مشرّدين يتربصون بهم عند كل زاوية. المشهد نفسه يتكرر في فاس، حيث تتحول الأزقة العتيقة إلى فضاء للممارسات العشوائية التي تسيء لصورة البلاد. هذه الظواهر تضعف فعالية الاستثمارات الضخمة التي يقوم بها الفاعلون الكبار في القطاع لإنشاء فنادق ومنتجعات بمعايير عالمية، دون أن تجد بيئة حضرية وخدماتية مهيأة لضمان مردودية هذه الاستثمارات.

في المقابل، نجحت دول مثل إسبانيا وتركيا في تطوير نماذج سياحية متكاملة بفضل حكامة ناجعة، حيث تستقطب الأولى أزيد من 83 مليون سائح سنويًا، بفضل تنوع العرض وجودة الخدمات، بينما حولت تركيا نفسها إلى وجهة عالمية ذات قيمة مضافة عالية عبر تطوير بنياتها التحتية وتفويض التسيير للقطاع الخاص. أما في المغرب، فلا تزال مقاربات التسيير كلاسيكية، والترويج السياحي يفتقد إلى الابتكار، في ظل بيئة خدماتية غير جاهزة وممارسات تسيء إلى تجربة السائح.

الخطورة الأكبر تكمن في التهديدات التنافسية المتصاعدة، إذ بدأت وجهات ناشئة في إفريقيا والمتوسط، مثل تونس ومصر وجزر الرأس الأخضر، في تقديم عروض سياحية ذات جودة أعلى وأسعار تنافسية، مما يهدد موقع المغرب التنافسي في السوق العالمية. هذا دون إغفال هشاشة السوق الداخلية، حيث تعاني السياحة الوطنية من ضعف القدرة الشرائية وغياب برامج تحفيزية فعالة، رغم أنها تمثل ما يزيد على 30% من ليالي المبيت المسجلة سنويًا.

إن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى فقدان المغرب لمكانته السياحية في غضون سنوات قليلة، ما لم يتم اتخاذ خطوات استراتيجية عاجلة لإعادة تأهيل القطاع. الأمر يتطلب مقاربة جديدة تعتمد على شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل رقابة صارمة على الممارسات العشوائية، واستثمارات قوية في البنيات التحتية والخدمات الأساسية، مع التركيز على ابتكار عروض سياحية ذات قيمة مضافة تستجيب لتوقعات السائح العالمي.

الرهان اليوم لا يكمن في تجميل الأرقام وتقديم مؤشرات وردية، بقدر ما يكمن في الاعتراف بحجم التحديات والعمل على إصلاحات عميقة تضمن تحويل السياحة من قطاع هش إلى قاطرة تنموية حقيقية. إن أي تأخير في هذا المسار سيكلف المغرب سنوات من التراجع وفرصًا اقتصادية يصعب تعويضها مستقبلاً.