يشكل الاحتباس القيمي تهديدا حقيقا للأجيال المقبلة ولسلوكات المواطنة، والتهديد قائم في إطار ما يمكن أن يطلق عليه باستنساخ النماذج السلبية (نموذج التشرميل – التقرقيب – الاغتصاب- العنف - خطاب الكراهية ...) أي الانتقال من ثقافة السلم إلى ثقافة العنف والحرب أي المرور من منطق المواطنة والتعايش إلى منطق الاغتراب والتنافر.
ومن تجليات الاحتباس القيمي الخوف من الجار ومن ابن الجار ، والخوف من الشخص الذي يمر بالجوار، والخوف داخل السيارة ، والخوف داخل المقهى، والخوف مع اقتراب مقابلة في كرة القدم ... مما سيفضي إلى حالة من الرهاب المجتمعي المزمن ووضعية من الانكماش المواطناتي.
كما أن هذه الظواهر تعكس بشكل موازي عطبا في الصورة التي تنوي المؤسسات تصديرها، وهو ما يفقدها قوتها وقدرتها التفاوضية وجاذبيتها التنافسية على المستويين الإقليمي والدولي.
ومن هذا المنظور، يظل منطق الحملات دون جدوى لأنه يستحسن الاعتماد على استراتيجية مستدامة ترتكز على الآليات الاستباقية و الوقاية المتوازنة لأن الوقائع والأحداث تتسارع وهي متغيرة وذات طبيعة مختلفة.
وبموازاة هذا الواقع فقد استشعر المجتمع المغربي خطورة الاحتباس القيمي فكانت ردود الفعل المستنكرة والمتذمرة سريعة وعارمة على شبكات التواصل الاجتماعي مع تأخرها وخفوتها في الفضاءات الواقعية، مع بعض الاستثناءات من جانب جمعيات المجتمع المدني و بعض الأحزاب السياسية.
في المقابل، تظل المبادرات الافتراضية أكثر تأثيرا ووقعا في مسار الأحداث، حيث تم إطلاق "نداء من أجل إستراتيجية وطنية لقيم المواطنة" لـ"فتح نقاش وطني وجهوي ومحلي يتحمل فيه كافة الفاعلين والفاعلات مسؤولياتهم ومسؤولياتهن السياسية والمدنية حول منظومة القيم ببلادنا".
لهذا تستوجب ردة الفعل ليس فقط المبادرة والتعبئة والتحسيس؛ أو الاستنكار الافتراضي أو المؤسساتي بل تتطلب بناء رؤية وطنية تنخرط فيها جميع مكونات المجتمع المغربي بجميع أطيافها المحلية والجهوية والترابية لتجعل منها نقطة فاصلة لتقويم العطب وإصلاحه.
كما أن الاحتباس القيمي يتطلب التفكير في ميثاق مواطناتي يستهدف الأجيال المستقبلية و بناء مرافعات قوية للتأثير في نسق ومنطق السياسات العمومية لتصويب وضبط البيئة القيمية من خلال التركيز على المد التربوي والأخلاقي لمؤسسات التنشئة ودورها في ترسيخ وتثبيت السلوكات والممارسات المواطنة.
سعيد بنيس






