أعترف أنني فقدت صديقا عزيزا، غادر على غفلة مني، حاولت مرارا زيارته مريضا ما تأتى لي الأمر، أتفهم ظروف الناس، ولكن رحيله خسارة كبيرة جدا
سي علي بن علي، أحد أشهر الكتبيين المغاربة، سليل عائلة مغربية بدأ فيها الأب رحلة بيع الكتاب المستعمل قبل 100 عام في جوطية باب الحد في العاصمة المغربية الرباط
كان الراحل سي علي صاحب ابتسامة مميزة جدا، يستقبلك بعا قبل أن يضمك إليه، عندما يعلم أن حب الكتاب المستعمل يجري في دمك، فخو وثيقة نادرة، وملجأ الفقير في المعرفة، وعشق المدمن على الكتاب الورقي
من أوائل تقاريري التلفزيونية عن التجاربة المغربية الجميلة، جمعتني بسي علي بن علي، قبل 20 عاما، التقيت الرجل، وفتح لي محله الصغير، وأظهر لي كل الكنوز التي كانت في حوزته بالعربية ويالفرنسية، وسمح لي بدخول العلية، لأكتشف نوادرا من كتب ورقية، علاها الغبار وطواها النسيان، إلا من زيارته لها بين فينة وأخرى، متفقدا أبناءه كما يسميهم
جمعتنا تقارير تلفزيونية على امتداد عقدين اثنين، كنت أنامل مهنيا للوثل لاقناع غرفة الأخبار بقصة مصورة أو تقرير ميداني أو روبورطاج مطول جميل عن الكتب الورقي المستعمل؛ لأن الصحافي بدون قضايا لا يمكنه العيش ولا الاستمرار
جمعتنا لقاءات في معارض الكتب المستعملة في قلب العاصمة المغربية الرباط، قبل انقراضها، وزيارات إلى المكتبة العائلية، وسط امتداد حصار محلات بيع الأفلام والبرمجة ومعدات الحواسيب، ولكن الراحل سي علي، حافظ على الكتب في مكانها، صمد عن عشق أمام طل الإغراءات، لأن الجوكية في باب الحد ركبت موحة الهواتف المحمولة وكل ما يريده زبناء القرن الحادي والعشرين
يفقد الكتاب المغربي في صمت شديد، برحيل سي علي، محاميا شرها ورجلا مناضلا من الكبار، عمل في صمت ورحل في صمت، وكانت افراحنا الكبيرة موضوعها الكتاب الورقي المستعمل، ولو كان يبتعد في وادي الحياة الجارف، كلما اتصلت به، يرد علي أنه جاهز للتصوير، إلا إذا كان في سفر في خارج المغرب
استغربت أن الاعلام المغربي لم يهتم برحيل هذا الرجل ولا بمرضه، فالثقافة في مغرب اليوم؛ شبكة علاقات خاصة ومصالح متبادلة ومعارض تخاط على المقاس وفق ما يبدو ظاهرا، ولو أن سي علي بن علي، رحمه الله، رفع طيلة حياته من قيمة الكتاب، لأن خير جليس في كل زمن هو كتاب
علمتني رحلتي في الصحافة ما معنى العرفان للناس الذين يفرشون لي الطريق خيرا، ولو بكلمة جميلة، أو بمساعدة مهما كبرت أو صغرت، فلا خير في إنسان لا يرد الخير بالخير في مشوار سينتهي برحيل في النهاية، لأننا عابرون في حياة عابرة، ونحن في النهاية أيضا غرباء
تألم كثيرا الراحل سي علي بن علي لواقع القراءة ولانهيار سوق الكتاب المستعمل، ولكنه واصل السباحة ضد تيار المجتمع، متمسكا بالأمل في وجود ولو قلة من زبناء لا يزال لديهم شغف الكتاب الورقي المستعمل أي الكتاب البالي
خبر الراحل سي علي بن علي أسماء عائلات مغربية كبرى لها مكتبات خاصة ثمينة، ط
كان قريبا جدا من كل قصص الكتاب الورقي، مستعد لتقديم المساعدة للوصول إلى أي تحفة ورقية نادرة
أتمنى أن يكون الراحل سي علي بن علي ترك من بعده وريثا حرفيا لصنعته، حتى تظل العائلة حمالة مشعل مهني في الدفاع عن ثقافة استعمال الكتاب القديم.






