فن وإعلام

"السينما ، عشقي!" ستانلي كوبريك أحد السينمائيين الأساسيين في القرن العشرين

إدريس شويكة ( مخرج سينمائي)

"السؤال هو أن تعرف هل عليك أن تعطي للمتفرج شيئًا يهدف إلى إسعاده ، أو شيئًا يتوافق مع حقيقة الموضوع".

ستانلي كوبريك.

ستانلي كوبريك سينمائي أصيل ، غير نمطي ويحتل مكانة خاصة جدًا في تاريخ السينما: إنه سينمائي أساسي في هذا التاريخ ، وتشهد الجوائز العديدة التي حصل عليها على هذه المكانة المرموقة الذي يحتلها. ويكفي أن نذكر أبرزها: جائزة أفضل مخرج ، التي يمنحها نقاد السينما بنيويورك ، عن فيلم "دكتور فولامور" (1964) ؛ أوسكار أفضل مؤثرات بصرية عن فيلم "2001، أوديسا الفضاء" (1968) ؛ جائزة أفضل مخرج ، التي يمنحها نقاد السينما بنيويورك ، عن فيلم "البرتقالة الميكانيكية" (1971) ؛ جائزة أفضل مخرج ، التي يمنحها المجلس الوطني للمراجعة ، عن فيلم "باري ليندون" (1975) ؛ جائزة أفضل مخرج ، التي تمنحها الأكاديمية البريطانية للسينما والتلفزيون ، عن فيلم "باري ليندون" (1975).

كما أنه أيضا سينمائي أصلي وغير نمطي في تنوع عمله الفني والجمالي. ففي أفلامه الأولى ، تكفل عمليا بكل المهام ، من السيناريو إلى الإنتاج ، مرورا بإدارة التصوير والتأطير والتوليف. فلقد سمحت له ممارسته للتصوير الفوتوغرافي منذ ريعان شبابه بتدريب ذاتي تقني شامل في جميع مجالات الصورة: التركيب ، والإنارة بكل تلاوينها ، وحركات الكاميرا ، والعدسات وأعماق المجال المختلفة... فتعدد مهاراته في هذا السياق لا مثيل لها. وشركات الإنتاج الكبرى فرضت عليه في نهاية الأمر ضرورة احترام توزيع العمل وفق المعايير المهنية المتعارف عليها.

ولكي يتمكن من الاستمرار في ضمان الحد الأدنى من الاستقلالية انتهى به الأمر إلى اختيار الاستقرار بشكل دائم في لندن ، وليتمكن من الاشتغال بأريحية ووفق مزاجه الخاص ، دافعًا تجاربه الفنية المستمرة إلى أبعد الحدود الممكنة. فنجاح أفلامه ، على الرغم من الإختلافات والانتقادات المستمرة التي أثارتها دائمًا ، قد مكّنه من امتلاك والحصول بسهولة على الإمكانيات المادية اللازمة التي تسمح له بالإستمرار لعدة سنوات في تطوير مشاريعه. فبالنسبة إلى فيلم "2001 ، أوديسا الفضاء" مثلا ، منع الصحافة من ولوج مواقع تصويره، وانتهى به الأمر إلى تبني هذا الموقف كممارسة منهجية أثناء تصوير جميع أفلامه اللاحقة.

ولقد انتهى الأمر بتصوره الأسطوري للعمل المتكامل إلى المساهمة بشكل كبير في تطوير ابتكارات تقنية لا حصر لها والتي أغنت الممارسات السينمائية العالمية: استخدام أجهزة الكمبيوتر وتقنية العرض الأمامي الموازي للتصوير كما في "2001 ، أوديسا الفضاء" ، الإنارة على ضوء الشموع في فيلم "باري ليندون" مع استخدام عدسات خاصة طورتها وكالة ناسا ، وتجربة التقنية الجديدة لـ Steadicam في فيلم "شاينينغ"...

 

عالم مقلق وعلى حافة الإنهيار

من الناحية الموضوعاتية ، تعتمد معالجاته عمومًا على تقديم عالم مقلق وعلى حافة الانهيار ، تسكنه شخصيات تعاني من الإنفصام وعلى شفا جنون مدمر. ويتحدث منتقدوه الأكثر شراسة بشكل عام عن نظرة سلبية للغاية وتشاؤمية للعالم. ولقد ذهبت الناقدة بولين كايل إلى حد الحديث عن "جو بارد وعقيم ، أفلام لا روح لها" !

وبصرف النظر ربما عن "سبارتاكوس" ، المستند على وقائع تاريخية حقيقية ، والتي يمكن للجميع تفسيرها وفقًا لتصوراتهم الخاصة للتاريخ ، فقد أثارت أفلامه بشكل عام جدالات لا نهاية لها. وقد تعرضت بعض أفلامه لانتقادات عديدة بسبب غموضها وطرحها الأخلاقي الملتبس ، خصوصا من طرف التيارات الأمريكية المتزمتة. وبخصوص فيلم "سبارتاكوس" على وجه التحديد ، على الرغم من نجاحه النقدي والتجاري الكبير بالإضافة إلى جوائز الأوسكار الأربع التي حصل عليها ، فقد انتهى الأمر بكوبريك إلى إنكاره ، حيث أكد ما يلي: "كنت مجرد موظف" ! كما يعتبر أن "سبارتاكوس" هو أكثر أفلامه التي لا علاقة لها بشخصيته. وعلى عكس ذلك ، اعتبر "شاينينغ" أكثر أعماله المعبرة عن شخصيته بصدق كبير.

وعلى سبيل المثال ، كان فيلمه الأكثر إثارة للجدل ، والذي أثار حفيظة المتشددين ، هو "لوليتا" ، المقتبس عن رواية فلاديمير نابوكوف ، على الرغم من تنقيته من التلميحات الجنسية الصريحة للغاية لرواية نابوكوف الأصلية. حتى أن كوبريك اعترف بأنه لو تصور قسوة الرقباء الأمريكيين ، الذين أجبروه على قص بعض المشاهد وتعديل آخرى اعتبرت فاجرة ، لكان بالتأكيد قد تخلى عن إنجاز هذا الفيلم. كما أصيب النقاد بخيبة أمل عندما تم تقديم الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي. وبشكل عام ، كان استقبال أفلامه مماثلًا تقريبا. فبقدر ما يعجب به البعض ، بقدر ما ينتقده آخرون بشدة. كما تحدث جون ليك كودار كذلك عن فيلم "لوليتا" الذي اعتبره "فيلم بسيط وشفاف ، مع حوارات صائبة ، يظهر أمريكا وتزمتها أفضل من ميلفيل وريشنباخ ، ويثبت أن كوبريك لا يجب أن يتخلى عن السينما بشرط تصوير شخصيات حقيقية".

وخلال الخمسة عقود من حياته المهنية ، حرص كوبريك أن يصور باستمرار صراعًا داخليًا غامضًا ومثيرًا للجدل ، ولكنه يسمح بنقاش غني للغاية. لم يكن غزير الإنتاج ، على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي كانت تحت تصرفه. لقد صنع بالتأكيد أفلامًا في نفس الخط الموضوعاتي ، تصف عالمًا على حافة الانهيار ، ولكن في تنوع كبير من حيث الشكل والنوع ، أفلام حرب ، وأفلام بوليسية ، وفيلم رعب ، وأفلام خيال علمي ، وأفلام تاريخية وأفلام سيكولوجية.

على أن فيلمه الأخير "عيون مغلقة" (Eyes Wide Shut) ، كان بمثابة وصية كوبريك الحقيقية ، قبل وفاته في 7 مارس من سنة 1999.

ومهما كان الأمر ، وعلى الرغم من ردود الفعل المتناقضة حول أفلامه ، يبدو واضحا أن كوبريك يتحكم جيدا في مواضيعه: "لا شك في أنه سيكون من الممتع رؤية القليل من الجنون في الأفلام ، على الأقل ستكون مثيرة للاهتمام عند مشاهدتها. إنني أتحكم جيدا في الجنون ! ".

 

فيلموغرافيا ستانلي كوبريك (الأفلام الطويلة)

"Fear and Desire" (1953) ; "Le baiser du tueur" (1955) ; "L’ultime Razzia" (1956) ; "Les sentiers de la gloire" (1957) ; "Spartacus" (1960) ; "Lolita" (1962) ; "Docteur Folamour" (1964) ; "2001, l’Odyssée de l’espace" (1968) ; "Orange mécanique" (1971) ; "Barry Lyndon" (1975) ; "Shining" (1980) ; "Full Metal Jacket" (1987) ; "Eyes Wide Shut" (1999).