فن وإعلام

الصحافة ليست مجرد مهنة ..إنها ضمير يقظ وموقف أخلاقي لا يساوم

طلحة جبريل (كاتب صحفي)

تلقيت هذه المجلة من شقيقي طارق، ولم أسأله متى أو كيف أو أين حصل عليها. اختارت هذه الأسبوعية عنواناً على الغلاف يقول: "السلطة في مواجهة الإعلام.. اعترافات مديري الصحف".

شخصياً، لم أتولَّ قط مسؤولية "مدير صحيفة". نعم، توليت رئاسة تحرير خمس صحف ورقية أسست ثلاثة منها، كما شغلت منصب مدير تحرير أهم صحيفة إلكترونية في العالم العربي (إيلاف).

في المنطقة الممتدة من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط، كما في تجارب دولية عديدة، ظل السؤال قائمًا: هل الإعلام سلطة مستقلة، أم مجرد أداة في يد السلطة؟ يقول كثيرون من أبناء المهنة إن العلاقة ليست خطًا مستقيمًا، بل شبكة معقدة من التوازنات والمساومات والضغوط. 

الصحافيون الذين عاشوا عقودًا في قلب المهنة يروون أن التحدي الأكبر لم يكن دائمًا في جمع الأخبار أو صياغتها، بل في القدرة على نشرها كما هي، دون تدخل أو رقابة أو توجيه.

اليوم، ومع التحولات الرقمية، خاصة الشبكات الاجتماعية، تتضاعف التحديات:

السلطات في العالم العربي تحاول مواكبة الإعلام الجديد عبر أدوات الرقابة الإلكترونية. الصحافة تبحث عن استقلالها في فضاء مفتوح، حيث لم يعد الخبر حكراً على المؤسسات التقليدية.

القراء أصبحوا أكثر وعياً، وأكثر قدرة على التمييز بين الإعلام الحر والإعلام الموجَّه. وهكذا، تبقى الصحافة بين مطرقة السلطة وسندان الحرية، لكنها رغم كل شيء تظل نافذة الأمل وصوت الحقيقة.

في النهاية، لم تكن الصحافة بالنسبة لي مجرد مهنة أو وظيفة، بل كانت دائمًا امتحانًا يوميًا للضمير. فمنذ أن جلست خلف مكاتب التحرير، ظل السؤال يلاحقني: هل نستطيع أن نكتب كما نرى ونشهد، أم كما يُراد لنا أن نكتب؟

الصحافة في منطقتنا، كما في العالم كله، تعيش بين مطرقة السلطة وسندان الحرية. ومع ذلك، فإن كل كلمة تُكتب بصدق، وكل خبر يُنشر بشجاعة، هو خطوة صغيرة نحو استقلال الإعلام، ونحو ترسيخ فكرة أن الحقيقة لا تُختزل في قرار أو توجيه.

وهكذا، تبقى الصحافة بالنسبة لي نافذة أمل، وصوتاً أخلاقياً يواجه العتمة، مهما كانت الضغوط أو القيود. 

الصحافة ليست مجرد مهنة، إنها ضمير يقظ وموقف أخلاقي لا يساوم.