يشهد المغرب، خلال الأسابيع الأخيرة، تصعيدًا ممنهجًا لحرب اقتصادية ناعمة تتخذ من التشويش على علاقته بجاليته المقيمة بالخارج أحد محاورها الأساسية. هذه الحرب المتاتية من اطراف مبهمة، التي تستند إلى آليات التأثير الإعلامي وتوجيه الإدراك، تسعى إلى ضرب أحد أعمدة الاقتصاد الوطني الحيوية: مساهمة مغاربة العالم في الدورة الاقتصادية، لاسيما عبر السياحة والتحويلات والاستهلاك الموسمي.
يتمثل أحد وجوه هذه الحرب في حملة إعلامية رقمية واسعة، تهدف إلى ثني أفراد الجالية عن القدوم إلى أرض الوطن خلال موسم العطلة الصيفية. تحت شعارات ظاهرها اجتماعي أو خدمي مثل “الأسعار المرتفعة” أو “ضعف الاستقبال”، تُنشر آلاف الفيديوهات والتدوينات والمحتويات المفبركة أو المجتزأة على منصات التواصل الاجتماعي، بأساليب توحي بالصدق الشعبي والواقعية الميدانية، بينما هي في حقيقتها جزء من عملية منظمة لضرب الثقة وتغذية النفور العاطفي والرمزي.
من أبرز الأساليب المستخدمة، نشر صور وفيديوهات لمواقع سياحية تبدو خالية من الزوار، دون الإشارة إلى كونها مأخوذة في أوقات غير ذروة الموسم، في محاولة لصناعة انطباع كاذب عن “عزوف عام” و”تجربة فاشلة”. وتُغلف هذه الرسائل بإيحاءات سلبية تستهدف الانتماء والارتباط بالوطن، في إطار ما يُعرف في علم الذكاء الاقتصادي بـ”الهندسة الإدراكية السلبية”.
إن هذا الهجوم الاقتصادي المكشوف لا يجب التعامل معه كظاهرة معزولة، بل كجزء من استراتيجية استهداف ممنهجة تروم تفكيك العلاقة البنيوية بين الجالية والدولة، وإضعاف تأثيرها الإيجابي على الاقتصاد الوطني، خصوصًا في سياقات دولية تتسم بارتفاع التنافسية على الكفاءات والتحويلات والاستثمارات.
إن الجالية المغربية بالخارج ليست فقط رافعة مالية واقتصادية، بل هي أصل استراتيجي في معادلة السيادة الوطنية. وبالتالي، فإن حمايتها من حملات التشويش واستهداف العلاقة التي تربطها بوطنها، يُعد مهمة مركزية في معركة الأمن الاقتصادي المغربي للسنوات القادمة.






