قضايا

زواج القاصرات والخصوبة في المغرب: كسر المعادلات الزائفة

ياسمينة بادو ( وزيرة سابقة)

المغرب يعيش لحظة هامة في تاريخه الاجتماعي. الإصلاح الجاري لمدونة الأسرة يثير نقاشات ومقاومة، خاصة حول مسألة منع زواج القاصرات.

بعض معارضي هذا المنع يلوّحون بحجة انخفاض معدل الخصوبة، متهمين الإصلاح بتهديد التوازن الديمغرافي للبلاد. هذه الحجة، إضافة إلى طابعها الساخر، تقوم على رؤية خاطئة لأسباب الخصوبة وسبل دعمها.

فلا، مستقبل المغرب الديمغرافي لا يقوم على الزواج المبكر للفتيات الصغيرات. ورفض زواج القاصرات ليس خضوعاً لإملاءات غربية.

الخصوبة ليست مجرد رقم أو آلية بيولوجية، بل هي مرتبطة بعمق بسياسات عمومية إرادية، وبظروف اجتماعية واقتصادية وصحية ملائمة، وبكرامة النساء. وانخفاض الخصوبة يستدعي حلولاً هيكلية.

صحيح أن المغرب يعرف، مثل دول أخرى كثيرة، انخفاضاً في معدلات الخصوبة. فقد تراجع المعدل إلى أقل من 2.4 طفل لكل امرأة، بعد أن كان يقارب 5 في ثمانينيات القرن الماضي. هذا التحول الديمغرافي يعود لتحسن مستوى تعليم النساء، والتحضر، وتطور الطموحات الاجتماعية، وأيضاً – وقبل كل شيء – لتزايد الهشاشة الاقتصادية وضعف الخدمات العمومية.

إذا أرادت الدولة دعم الخصوبة، فالحل ليس الإبقاء على ممارسات تقليدية ظالمة مثل زواج القاصرات، بل وضع سياسة أسرية طموحة، حديثة وشاملة.

بدلاً من الدعوة إلى تزويج بناتنا الصغيرات اللواتي مكانهن المدرسة، يجب على الدولة تشجيع الخصوبة عبر سياسات اجتماعية قوية، ووضع سياسة أسرية إرادية حقيقية.

العديد من الدول التي واجهت انخفاض الخصوبة اعتمدت إجراءات أثمرت نتائج، ويمكن للمغرب الاستفادة منها. ومنها:

 • إقرار منح تعويضات عائلية تصاعدية، مثلاً ابتداءً من الطفل الثالث، لدعم الأسر الكبيرة.

 • تمديد إجازة الأمومة، التي هي حالياً قصيرة جداً، لتمكين الأمهات من التوفيق بين الحياة الأسرية والمهنية، مع منح الآباء إجازة أبوة أيضاً.

 • تسهيل الوصول إلى دور الحضانة، والرعاية الصحية، والمدرسة العمومية الجيدة، خاصة في المناطق القروية.

 • تشجيع التوازن بين العمل والحياة الأسرية، عبر دعم العمل المرن أو الجزئي للآباء والأمهات.

 • تعزيز قيمة الأبوة والأمومة، باعتبار الأسرة ركناً أساسياً في مشروع المجتمع، لا عبئاً فردياً.

 • مساعدة الأسر الكبيرة على الحصول على السكن بسهولة، ودعمها بمنح وقروض ميسرة.

هذه التدابير تساهم في رفع معدلات الخصوبة مع احترام الحقوق الأساسية للنساء والأطفال.

إن إنهاء زواج القاصرات ضرورة للعدالة.

ويجب التذكير بأن زواج القاصرات ليس خياراً حراً، بل غالباً ما يُفرض على الفتيات، فيحرمهن من طفولتهن وتعليمهن ومستقبلهن. وهو مخالف لالتزامات المغرب الدولية ولدستوره، ويتعارض مع فكرة التنمية المبنية على المساواة.

حماية القاصرات ليست معارضة للخصوبة، بل هي، على العكس، إعداد لمجتمع أكثر عدلاً، وأكثر تعليماً، وأكثر استقراراً، وبالتالي أكثر خصوبة – بالمعنى الأسمى للكلمة.