الحجج التاريخية والسياسية والقانونية التي ما فتئت تفدمها المملكة المغربية لدعم سيادتها على أقاليمها الجنوبية في الساقية الحمراء ووادي الذهب، تجعل نظام الجزائر اليوم يعيش حالة احتضار دبلوماسي، وانهيار سياسي، ويعاني من أقصى حالات الضعف والسقوط أمام الضربات التي يتلقاها، بسبب حشر أنفه في هذا الملف الذي لم يجنٍ منه سوى الخسائر تلو الحسائر منذ خمسين سنة.
وقبل تناول هذه الحجج، يجب على تلك الفئة من مرددي الأطروحات البائدة التي يتبناها النظام الجزائري، أن تفهم أنه حين تكون هناك إشارة إلى مفهوم "تصفية الاستعمار" في ملف الصحراء المغربية، فإن المملكة المغربية هي التي قدمت ملف الصحراء إلى الأمم المتحدة في عام 1963 وأدرجته ضمن لجنة تصفية الاستعمار، للمطالبة بإنهاء الاستعمار الإسباني، واسترجاع إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب.
وبذلك، فإن مفهوم "تصفية الاستعمار" الذي يردده النظام الجزائري، لا يعني شيئا آخر سوى إعادة الإقليمين إلى سيادتهما التاريخية.
1. وحدة القوانين والدعم الدولي
تؤكد المملكة المغربية على أن القانون الدولي واحد، وأن تفسير الجزائر لمبدأ "حق تقرير المصير" هو تفسير مزاجي وانتقائي. والدليل على ذلك هو الدعم الدولي الواسع الذي يحظى به مقترح الحكم الذاتي، خاصة من قبل القوى الكبرى في مجلس الأمن. وهذا الدعم يثبت أن منطق المملكة المغربية هو الأقرب إلى الواقعية والشرعية الدولية.
2. العلاقات التاريخية والبيعة
الحجج التاريخية التي تقدمها المملكة المغربية أمام المنتظم الدولي قوية، أبرزها وثائق البيعة التي كانت تربط قبائل الصحراء بسلاطين المغرب عبر التاريخ. هذه الوثائق دليل على وجود روابط سيادية راسخة قبل مجيء الاستعمار الإسباني. وهذه الروابط التاريخية يجب أن تُؤخذ في الاعتبار عند النظر في مصير أقاليم الساقية الحمراء ووادي الذهب في الصحراء المغربية.
3. طبيعة جبهة البوليساريو
البوليساريو هي ميليشيا مسلحة تم إنشاؤها ودعمها من قبل الأنظمة العسكرية في المنطقة (بشكل خاص ليبيا والجزائر) لأهداف سياسية معادية للمغرب، وهي ليست حركة تحرر وطني، ولا تستمد شرعيتها من سكان الصحراء أنفسهم، بل من دعم خارجي.
4. الوضع الواقعي في الصحراء الغربية المغربية
سكان أقاليم الساقية الحمراء ووادي الذهب ينبغي النظر إلى وضعهم الحالي من خلال الواقع الموجود فوق الأرض. ويقدم الواقع فوق الأرض دليلاً على أن ساكنة إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب هم مغاربة، يعيشون حاليا تحت السيادة المغربية، ويشاركون بفعالية في الحياة السياسية من خلال الانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية، ولديهم ممثلون في البرلمان.
إن المنطق المغربي بخصوص ملف الصحراء المغربية يجمع بين التاريخ الثابت (وثائق البيعة)، والواقع على الأرض (مشاركة السكان في العملية السياسية)، والشرعية الدولية (دعم الدول الكبرى).
أما الرواية الجزائرية التي تركز على مبدأ "تقرير المصير"، فهي رواية هشة، لا تقوى على مواجهة منطق الدولة المغربية التي تحظى بوضع مريح على الساحة الدولية بخصوص الصحراء المغربية.
5. المينورسو آلية قديمة تجاوزها الواقع فوق الأرض
بخصوص النزاع الذي يفتعله النظام الجزائري حول ملف الصحراء المغربية، كانت مهمة الأمم المتحدة (MINURSO) في الأصل هي تنظيم استفتاء لتقرير المصير. لكن الاستفتاء أصبح غير ممكن، وأصبحت الأمم المتحدة ملزمة بقبول الحل الواقعي ودعمه، وهو
مقترح الحكم الذاتي.
إن فكرة الاستفتاء التي اعتمدتها الأمم المتحدة في التسعينيات، كانت قد استندت في البداية على الإحصاء الإسباني لعام 1974، لكن اتضح للأمم المتحدة أن الاستفتاء فكرة قاصرة وغير عادلة، لأن اللوائح التي تقدمت بها ميليشيات البوليساريو بدعم وتوجيه من النظام الجزائري أقصت عمدا من الإحصاء عددًا كبيرًا من الصحراويين الذين يعيشون في الصحراء المغربية تحت السيادة المغربية، وحصرت اللائحة في الذين يعيشون في تندوف جنوب الجزائر والذين منهم من تم جلبه إلى تندوف دون أن تكون له أية علاقة بمنطقة الساقية الحمراء أو وادي الذهب، كما أن هناك أجيالًا جديدة من الصحراويين نشأت منذ عام 1974، وأي استفتاء يجب أن يشمل جميع السكان الحاليين، وليس فقط من كانوا موجودين في إحصاء قديم جدًا، وهذه خلافات جوهرية حول من يحق لهم التصويت،
جعلت عملية الاستفتاء تصل إلى طريق مسدود في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى استنتاج أن خيار الاستفتاء غير قابل للتطبيق عمليًا، ومن ثمة، أصبح بالنسبة إلى عدد من البلدان المؤثرة في المنتظم الدولي، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، مقترح الحكم الذاتي حلا سياسيا حقيقيا، متسقًا مع مبدأ تقرير المصير، لكن في إطار السيادة المغربية.
6. المنطق المغربي: التاريخ كركيزة للسيادة
المنطق الذي تتبناه المملكة المغربية في قضية الصحراء الغربية المغربية، يرتكز أساسًا على السيادة التاريخية، ويقدم رؤية واضحة للملف، قوامها أن الدولة المغربية ليست نتاجًا للاستعمار، بل هي كيان تاريخي قائم بذاته يعود إلى قرون.
فالسلالات الحاكمة، بما فيها الدولة العلوية التي تأسست في القرن السابع عشر، حكمت مناطق واسعة امتدت من شمال المغرب حتى نهر السنغال. وتُعتبر البيعة (الولاء الديني والسياسي) التي كانت تقدمها قبائل الصحراء لسلاطين المغرب دليلاً على هذه التبعية التاريخية.
ثم إن عملية تصفية الاستعمار لا تعني خلق دول جديدة، بل هي إعادة الأراضي المستعمَرة إلى سيادة الدولة الأم التي فقدتها بسبب الاحتلال الأجنبي. وفي هذه الحالة، الدولة الأم التي يجب أن تستعيد الصحراء من الاستعمار الإسباني، هي الدولة المغربية.
أما المنطق الجزائري الذي يركز على مبدأ "تقرير المصير"، فهو منطق هش، ويُستخدم بشكل انتقائي لأهداف جيوسياسية، والدليل هو رفض النظام الجزائري تطبيق مبدأ تقرير المصير لمنطقة القبائل التي تطالب بالانفصال عن الجزائر، والتي ترى أن منطقة القبائل كانت مستقلة ذاتيا قبل أن تحتل فرنسا الأراضي التي كانت خاضعة لحكم الأتراك في الجزائر، في الفترة ما بين 1516م و 1830م.
7. منطقة القبائل، من الاستقلالية إلى الخضوع للاستعمار.
إن حركة المطالبة باستقلال القبائل (الماك)، يحق لها أن تطالب بتقرير مصيرها بناءً على المنطق الذي يتبناه النظام الجزائري، وتستند الحركة في مرافعاتها إلى حجج تاريخية وقانونية قوية.
* السيادة قبل الاحتلال:
كانت منطقة القبائل تتمتع بشكل من السيادة أو الاستقلال الذاتي قبل مجيء العثمانيين، ولم تكن جزءًا
من "دولة" الجزائر الحديثة.
* الاحتلال والاستعمار:
خضعت المنطقة للاحتلال العثماني ثم الفرنسي، وبالتالي فإن حقها في تقرير المصير هو استكمال لعملية التحرر من الاستعمار.
* التمييز:
ترى حركة الماك وأنصارها أن الجزائر تمارس استعمارًا داخليًا ضد منطقة القبائل، من خلال تهميش ثقافتها ولغتها (الأمازيغية) وسلطتها السياسية، ويرى المطالبون باستقلال منطقة القبائل أن تاريخ الاستقلالية يمنحهم الحق في تقرير مصيرهم اليوم.
بناء على هذه المعطيات، تشعر المملكة المغربية اليوم بالارتياح والثقة المتزايدة في ملف الصحراء الغربية المغربية، بفضل الدعم الدولي المتزايد لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو دعم يتجسد في فتح العديد من الدول لقنصلياتها في الأقاليم الصحراوية الجنوبية.
وإن التأييد الواضح للمبادرة المغربية داخل المنتظم الدولي، يعكس تحولاً ملموساً في الموقف العالمي، ويعزز موقف المغرب الدبلوماسي، ويُضعف حجج خصومه، مما يجعل هذا الملف المفتعل اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى أن يُطوى بشكل نهائي.
وهذا ما كان






