رأي

عمر حلي .. من لغو الصيف : نحن والسينما

إظلام ... ما قبل الإظلام، وشيء كثير من الاستيهامات.

لم تكن لدينا آليات لمعرفة ما يجري في القاعات غير التلفون العربي. نسمع بالخبر. لا نقرؤه، ولا نشاهد أية وصلة إشهارية عنه. نسمع به في رأس الدرب فقط ... لم نكن إبانها نطّلع على الجريدة أو الملحق الثقافي، فما بالك بمجلة متخصصة تخبر بمستجدات القاعات ... لم نعرف مجلة بروميير Première إلا بعد ذلك بعقود .. كانت التلفزة حديثة العهد بالإشهار. وكانت وصلات سان سوس وأورونجينا وأولماس و دوب وفليب فلاب تملأ الشاشة... وأذكر أن الحدث الكبير الذي تم الترويج له في قناتنا اليتيمة هو مباراة هولندا والمغرب حيث سيلعب "كريف، أسد الملعب". لم يكن يضاهي ذلك إلا وصلات إشهار اليناصيب : ما تْسمْعو إلا كلام الخير، 100 مليون ... ولم تكن للسينما مساحات إعلامية البثة.

نعلم بعرض الفيلم وبأثر وجِدته من الأصدقاء فقط. ثم إذا كان الفيلم مثيرا للجدل [كما يقال اليوم]، فإننا نتوجه إلى القاعة فور إحراز ثمن الزيارة. 

ومن الأفلام التي أذكر انها أثارت ضجة كبرى آنذاك، فيلم طارد الأرواح الشريرة L'Exorciste، وبعده فيلم القرش "أسنان البحر". كان الخبر يعم الأحياء، فنتوجه للقاعة التي نختارها. نعم كانت هناك في المدينة قاعات عدة. ويتم ذلك صحبة الرفقاء في أغلب الأحيان، لتسجيل الانتماء للمجموعة والاحتماء بها، ولاستعادة أحداث الفيلم في طريق العودة. 

قبل ولوج القاعة هناك طقس الشباك الذي يحتله الأقوياء إذا تعلق الأمر بفيلم مثير، لنضطر لاقتناء التذكرة في السوق السوداء، وهو بالمناسبة السياق الذي سمعت فيه هذه العبارة لأول مرة.. ندخل القاعة. تستقبلنا المضيفة [نَعم كانت هناك مضيفة Ouvreuse]، نستدل بضوء مصباحها إلى أن نصل صفنا، فتدلنا على المقعد. يكون الأمر سهلا إذا وصلنا قبل إطلاق الشريط، ويكون أصعب إذا تأخرنا قليلا.. وكنا نقدم للمضيفة "بقشيشا" مقابل تلك الخدمة .. ونحتفظ بما تبقى للأونتراكت... 

نشاهد الفيلم الأول، إذ كانت عادة القاعات أن تقدم شريطين.. بين عرضهما فترة استراحة، نغادر فيها القاعة وظلامها ونخرج إلى باحة السينما لاقتناء بعض الحلوى، وللاستراحة. وكان الكبار يدخنون داخل القاعة وخارجها.... ثم نعود للإظلام ... وإذا انقطع الشريط تتعالى أصوات الحاضرين بالسب والشتم الذي تعلو نبرته كلما طالت المدة...كانت الشتيمة السائدة هي "وا العور" [أيها الأعور] التي لم أدرك يوما مصدرها ولا مبرر اختيارها. 

ثم كان طريق العودة مجالا خصبا للاستعادة والاستيهامات.. كان منا من يتشبّه بالأبطال، خاصة منهم أبطال أفلام رعاة البقر، وكان من الشباب من يحفظ عن ظهر قلب أغاني الأفلام الهندية الشهيرة، مثل اغنية دوستي [الصداقة]... ومنا من كان يسعى سعيا إلى تقليد حركات بروسلي البيكَ بوس..

اليوم لم تعد هناك قاعات تقدم شريطين، وغابت المضيفات ... ولم نعد نقتني الحلوى إياها، ولم نعد نتشبه بالأبطال. فقد أصبح بإمكاننا مشاهدة الفيلم الذي نريد، في شاشاتنا. وغاب الأعور لأننا أصبحنا نوقف الشريط كلما رغبنا في ذلك. أصبح الأعور هو نحن أنفسنا ...