إن موضوع الهجرة قد يكون آلية إيجابية أو سلبية على حسب المقاربة والسياق ووضعية الدول. مهما كانت البرامج والمخططات لابد من توفر الإرادة السياسية. لقد اتخذ جلالة الملك موقفا إيجابيا تجاه الهجرة خاصة على المستوي الإفريقي من تم تمت تسوية الوضعية القانونية لحوالي خمسين ألف من المهاجرين، وما زالت العملية مستمرة، إضافة إلى العدد المهم من الطلبة الأجانب خاصة الأفارقة الممنوحين. كما بذلت الدولة بالتنسيق مع المجتمع المدني عملية إدماجهم في الحياة الاجتماعية. كما تم إنشاء المرصد الإفريقي للهجرة بالرباط المغرب بقرار من قبل الاتحاد الإفريقي الذي أعلن صاحب الجلالة رائدا في قضايا الهجرة وتهيأ تقارير في الموضوع باسم جلالة الملك وتقدم أثناء انعقاد القمم للاتحاد الإفريقي كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
إن الهجرة حسب المقاربة الملكية فرص يجب أن تثمن، وليست أزمات يجب أن تدبر. إن التيمة المركزية للهجرة هو الإنسان، من تم هي في حاجة لسياسة تنموية بشرية ومندمجة ومستمرة. بالتالي نحافظ على مواردنا البشرية خاصة الشباب الذي يتوق إلى الكرامة والعزة والتحرير. لن يتم هذا إلا بالتعاون بين السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة والقطاع الخاص، والمجتمع المدني.
لذلك فيجب على المراكز العالمية المهتمة بهذا الموضوع أن تستحضر الجيوسياسي، أثناء وضع البرامج والمخططات للاستفادة من الهجرة في الاتجاه الإيجابي. مع وضع حكامة استراتيجية للتنسيق المحكم.
نحو حكامة جيدة لموضوع الهجرة
إن العيش المشترك المنشود عالميا يحتم علينا ترتيب الهجرة من الأولويات التي يجب أن تدرس دائما بجدية ومصداقية وواقعية. لذلك تميز المغرب بالرعاية الملكية بمقاربة جديدة للمفاهيم المرتبطة بالهجرة، أهمها أنها فرصة يجب أن تستثمر وليس عيبا يجب أن يدمر، ثم تمت التسوية للوضعية القانونية لمجموعة منهم في إطار مبدأي التضامن والتعاون، ثالثا ينهج خطاب الأمل وليس الألم لأن الواقع لا يرتفع. لذلك يجب أن ينصب الاهتمام بالأبعاد التنموية خاصة التربية والتعليم والصحة والانخراط في البناء التنموي المحلي والوطني. أي أن نعتبر موضوع الهجرة سياسة عامة تتناسل منها سياسات عمومية وقطاعية وترابية.
إن عامل المناخ يشكل سببا من أسباب الهجرة، لذلك تنعقد لقاءات دولية حول المناخ وغالبا ما تصدر المخرجات بشق الأنفس لذلك يجب أن تسود المرونة الدولية في هذا المجال لفتح أفق تنموي داخل الدول النامية. إن العالم اليوم في اختبار إنساني كبير بناء على المسؤولية المشتركة ومستقبل العالم والأبعاد الجيوسياسية والاختيارات الاستراتيجية.
إن دولا كثيرة متطورة تعاني من النقص الديمغرافي، وهذا عامل كافي للبحث في حقوق المهاجرين انطلاق من دولهم الأصلية والتي يعبرونها والتي يقصدونها. حقوق مشروعة سياسيا ومدنيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وبيئيا وتنمويا لأن كل هذا سيساهم في الاستقرار العالمي. لذلك من الواجب أن نجتهد في تعزيز الحكامة المؤسساتية ذات الصلة بالموضوع، وطنيا، وإقليميا، ودوليا.
المغرب والمبادرات الدولية
يساهم المغرب في المبادرات الإقليمية والدولية من أجل التقليص من الأسباب المؤدية إلى استفحال ظاهرة الهجرة خاصة على مستوى الأمن والاستقرار باعتباره بنية تحتية لتسهيل تنزيل المشاريع التنموية. لكن هذا عمل كبير يحتاج إلى إرادة سياسية عميقة من قبل جميع الأطراف دولا كانت أو منظمات فاعلة في الميدان.
إن الإرادة السياسية مرتبطة بالتمسك بالاختيار الديمقراطي، لأن هناك جدلية بين البعد الأمني والتنموي، بعبارة أخرى الأمن التنموي والتنمية الأمنية. هذا هو الرأسمال غير المادي الذي سيدفع الشباب إلى الانخراط في البناء الثقافي والحضاري الخلفية الفكرية للممارسة.
إن السياق اليوم مقلق مما يعقد إشكالية الهجرة، ويعمق التحديات، وتخلق هما دوليا وانعكاسا عاما، وما نشاهده اليوم في بؤر التوتر مثالا حيا لتأجيج هجرة قد تنعكس على تأجيج الخلافات والعنف والتطرف، بذلك نوظف الطاقة الشبابية في اتجاه سلبي، نتيجة غموض الرِؤية.
إن المغرب تعهد على جعل موضوع الهجرة والمهاجرين من ضمن أولوياته بناء على مقاربة إنسانية مندمجة ومستدامة واضحة المعالم، وبنفس إيجابي، من خلال استحضار الحقوق والحريات الأساسية والكرامة الإنسانية. إن المقاربة الشمولية تتجاوز الاكتفاء بالمقاربة الأمنية إلى مقاربة عنوانها الأكبر الكرامة الإنسانية. هذا مسلسل طويل في بناء حكامة جيدة للتعامل مع موضوع الهجرة. من تم وضع المغرب استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء. إنها مقاربة تعتمد أسسا وتستهدف أبعادا حقوقية وإنسانية واقتصادية واجتماعية وثقافية بتوجيهات ملكية واضحة الرؤية، توافق بين توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية وأطراف مدنية وهذا مرتبط بإرادة سياسية قوية.
بناء على هذه المقاربة استطاع المغرب أن يصنف عالميا ضمن الدول الفاعلة في هذا المجال، خاصة على مستوى ربط الهجرة بالأمن والسلم. لقد ساهم الدستور في هذه الاستراتيجية عندما خص الباب الثاني للحريات والحقوق الأساسية، التي تحتاج إلى بذل مجهود كبير من أجل حمايتها خاصة عندما تتوفر إرادة سياسية واعية وعميقة وعالمة ومسؤولة تستشعر الأبعاد الجيوسياسية وتعمل بالآفاق الاستراتيجية.
من خلال هذه المقاربة لموضوع ما زال يشكل هما عالميا نختم بالأسئلة التالية:
هل فعلا يمكن التأكيد على أن العالم قطع أشواطا في توفير وصفة منظمة وإنسانية لموضوع الهجرة؟ هل العالم يوفق في تنزيل التوصيات والقرارات التي تصدر عن الدول والمؤسسات الإقليمية والعالمية؟ ماهي اجتهادات العالم في المجال المفاهيمي والتشريعي للهجرة؟ هل يمكن الحديث عن اتجاهات متباينة أو منسجمة حول الهجرة؟ كيف نجعل من الأبعاد الإنسانية التيمة المركزية لكل استراتيجية خاصة بالهجرة؟ ما مآل الاستراتيجيات التي وضعت من أجل معالجة الظواهر السلبية للهجرة؟






