فن وإعلام

رحلتي مع الصحافة (42) ..مونديال 2010

يونس الخراشي (صحفي)

عندما اقترح علينا تصور لمشروع يومية من 32 صفحة، طبلويد، لمونديال 2010، بجنوب إفريقيا، كنا سعداء ومتخوفين في آن معا. ذلك أن فريق "المساء الرياضي" لم يكن كبيرا بما يكفي لإنجاز عمل يومي بذلك الحجم، فضلا عن أن الإيقاع الأسبوعي ونصف الأسبوعي بطيء نوعا ما بالقياس إلى إيقاع اليومي، والانتقال من الأول إلى الثاني ليس يسيرا، لاسيما وأنه لم يعد لدينا، في تلك الأثناء، ما يكفي من الوقت.

ومع ذلك، رفعنا التحدي، وقررنا أن نتخذ من أسبوعية "فرانس فوتبول" نموذجا للتصور، الذي أشرف عليه وأنجزه الأخ بوشعيب خلدون، الفنان والرسام، والشاعر أيضا. وكم كان موفقا في تصوره، الذي أعجب الجميع، بمن فيهم الزميل رشيد نيني، الذي كان من الصعب إقناعه بأي عمل، مهما بدا رائعا و"في التسعين".

طلبت من الأخ العطافي، وكان قد تبقى شهر تقريبا عن بدء نهائيات كأس العالم 2010، بجنوب إفريقيا، أن يفرغني من العمل معه في نصف الأسبوعية، حتى أنجز ما يمكن إنجازه، من بورتريهات، وتقارير تاريخية، وغيرها، من الأشياء التي تصلح لأي إصدار رياضي في أي وقت، حتى نربح الزمن، ولا نربط نفسنا سوى ببعض الصفحات المتبقية للعمل اليومي، الخاص بالأخبار والتصريحات، والحوارات ذات الصلة. وهو ما وافق عليه رئيس التحرير، لأنطلق بالفعل في الإنجاز.

بقدر ما كان العمل متبعا، فقد كان ممتعا. وبقدر ما شعرت بأنني إزاء إنجاز مرهق، فقد تلذذت به باعتباره إنجازا كبيرا يستحق التقدير. وكنت، في تلك الأثناء، كمن سبق زملاءه إلى جنوب إفريقيا، وبدأ يشم رائحة النهائيات، وأنا أغوص في تاريخ كأس العالم، ونجومه، ومبارياته المشهودة، وحكامه الكبار، ولاسيما تلك الأعمال المنشورة في موقع "فيفا"، وتثير شهية القراءة.

أما حين وصل الموعد، فقد كنا على أهبة، وقسمنا العمل بيننا، بحيث كنت أحضر في ساعة مبكرة إلى الجريدة، لكي أقفل العدد، الذي تتبقى منه ثلاث صفحات فقط، الثانية والثالثة، والأولى، أو الغلاف، أو "لا كوف"، مثلما تسمى في هيئات التحرير، وهي الأكثر أهمية على الإطلاق بين كل الصفحات، وتمثل وجه الجريدى، وبها يجذب القارئ، وبها "تباع" الجرائد. أما الأخ العطافي، فكان يبقى متأخرا بالليل، كي يهيء، مع الزملاء الآخرين، ما تبقى من صفحات العدد.

كنت أجدني، كل صباح، وجها لوجه مع الأخ رشيد نيني، الذي كنت أعرف أنه صعب المراس، بحيث يستحيل أن تقنعه بأي منجز، مهما بدا لك رائعا. وكنت أعد نفسي لأسمع منه لازمته الشهيرة:"كي داير المواطن؟"، ثم، بعد أن يرى مشروع الصفحة الأولى:"أش هدشي؟ شوف لينا شي حاجة أحسن من هدشي". وهكذا، حتى يقتنع، ويعطيني الضوء الأخضر، فأكلم رئيس التحرير، لأخبره بعنوان الغلاف، وبأن الأخ رشيد اقتنع به، والجريدة في المطبعة. 

كانت محنة يومية، بحيث يتعين علي أن أعصر دماغي جيدا، لكي أستخرج أفضل ما لدينا في العدد، بينما كانت الأخبار تتساقط، بالمستجدات، التي تنسف، في غالب الأحيان، كل مشاريعي للغلاف، إذ يأتي خبر شارد، في اللحظة الأخيرة، لكي يرغمني على تغيير كل شيء، وقلب الصفحة رأسا على عقب، فمثلا، قد يصير العنوان الرئيسي مجرد عنوان فرعي، ويصبح ما كان فرعيا، هو الأبرز. وهلم جرا.

كان يقع أن أتأخر عن الموعد المطلوب، إذ أن توضيب الصفحة يحتاج وقتا وجهدا. فأجدني إزاء وضع أكثر إحراجا، إذ أن المطبعة لا يمكنها أن تنتظر، بينما توجد جرائد أخرى جاهزة لكي تطبع. وكنت أتلقى الإشادات، في الكثير من الأحيان، من خارج الجريدة، فأبتسم، وأقول في نفسي:"غير أنكم لا تعلمون ما نكابده حتى تصل الجريدة كما هي إلى أيديكم. في كل الأحوال، مشكورين على إشاداتكم التي ترفع المعنويات".

مرت الأيام سراعا، فما انتهينا من ذلك العمل حتى أصبنا بإرهاق شديد. حتى العبدلله والأخ العطافي، اللذين كانت لنا تجربة سابقة في عمل مثيل، عندما أنجزنا يومية من 12 صفحة كبيرة، عن مونديال فرنسا 1998، لفائدة يومية "الصحراء المغربية"، هو كان حينها رئيسا للقسم الرياضي، حيث سبعة صحافيين، ومتعاونين، وكنت متدربا، سرعان ما تحولت إلى جزء من ذلك القسم، بحيث نشتغل لساعات طويةل دون توقف، مستعينين بالوكالات، وبما نشاهده ونسمعه على قناة "كنال بلوس"، التي نقلت لنا كل المباريات، دون استثناء يذكر.

حين عدنا إلى إيقاعنا السابق، وهو بطيء نوعا ما، وغير مرهق، بالشكل نفسه الذي عليه اليومي، وبذلك الحجم، كانت فسحة نسبية للحصول على نفس، يذهب عني إرهاقي الذي لزمني طيلة مدة إعداد يوميات المونديال. ومع ذلك، فما كان يحتاجه العدد نصف الأسبوعي، أي بمعدل مرتين كل أسبوع، سرعان ما يعيدك إلى "طاحونة" الخبر وما يجر معه من أجناس صحفية، وتدقيق في المقالات، والعناوين، وغيرها، من الأشياء ذات الصلة، والتي قد تظن نفسك، في أثناء الإعداد، أنك ضبطتها، ثم تكتشف، في آخر المطاف، وقد صدرت الطبعة، أن هنالك خطأ ما. لا بد من الأخطاء في كل جريدة، وهناك نسبة معينة مقبولة في كل الصحف.

كانت تلك التجربة جيدة، في كل الأحوال. زادت إلى خبراتي أشياء مهمة، كسبتها عبر عمل مرهق، ولكنه يبقى إنجازا في مساري المهني، لاسيما وأنه يدخل التاريخ.

__

(في الصورة شعيب خلدون، الفنان والشاعر بوشعيب خلدون)