فن وإعلام

رحلتي مع الصحافة (43) اعتقال نيني

يونس الخراشي ( صحفي)

كنا قد انتقلنا إلى المقر الجديد لمجموعة "المساء"، بقلب درب عمر، بمركز مدينة الدار البيضاء. وكان المقر الجديد كبيرا للغاية، بحيث ضم كلا من يومية "المساء"، وبقية تفرعاتها، من مجلة "أوال"، إلى "المساء الرياضي"، وغيرها من المنتوجات الصحفية الجديدة التي أراد لها رشيد نيني أن نضاف إلى يوميته الشهيرة.

وبينما نحن نستقر في بيئة العمل الجديدة، إذ اعتقل رشيد نيني، المدير، وحوكم بسنة سجنا. أصبح المستقبل، حينها، يبدو غامضا. غير أن المسؤول الثاني، وهو محمد العسلي، والذي لم نكن نراه من قبل، أمسك بزمام القيادة، وراح يسجل حضوره اليومي، معتمدا على كل من مصطفى الفن وهشام مبشور، على الخصوص، لكي تبقى المؤسسة حية ترزق من جهة، ومشعة ماضية نحو أهدافها من جهة ثانية.

في "المساء الرياضي"، كنا نراقب الوضع، دون أي توجس. بل كنا نشتغل، كما عهدنا المدير المسجون، وربما أكثر. كان علينا أن نواصل عملنا بمهنية عالية، بحثا عن مزيد من القراء، وعن إشعاع أكبر لجريدتنا، لاسيما وأنها بالفعل صارت معروفة، ومبيعاتها تتنامى، وإن كنا ندرك، من خلال ما يصلنا من داخل المؤسسة، بأن تكلفة الطباعة عالية على نحو ما، بفعل اختيار الورق، وبخاصة الغلاف.

كنا نؤمن، كلنا، من رئيس التحرير إلى بقية الزملاء، بأننا نسير في خط تصاعدي، ولدينا مهمة واحدة، وهي ممارسكة الصحافة كما تعلمناها، بكل حرفية وجدية ومسؤولية. غايتنا المثلى هي إصدار عدد مقبل ممتاز، يتضمن مواد مقروءة، ومثيرة، وترغب القارئ في المزيد، حتى نسهم في مبيعات معقولة، توازن بها المؤسسة بين تكلفة الطباعة، وبقية التكاليف، من أجور وغيرها.

في تلك الفترة، اقترحنا على القارئ المهتم مذكرات اللاعب الكبير والشهير عزيز بودربالة. كان الزميل مصطفى البوزيدي قد تكفل بها، وقدم بالفعل عملا رائعا، بصور غير مسبوقة. كنت كلما وصلتني حلقته الجديدة إلا وانكببت عليها، قارئا نهما، ومدققا لغويا، قبل أن تصل إلى التصحيح، لكي يؤدي مهمته، فتصبح الحلقة جاهزة للنشر.

اقترحنا أيضا ملحقا خاصا بالغريمين التقليديين الوداد والرجاء، بحيث كان يتوسط كل عدد من "المساء الرياضي"، فيقدم من خلاله الزملاء الشباب أخبار الفريقين، بل وحتى أخبار ألتراس الأحمر والأخضر، وهي الحركية التي كانت قد شهدت في تلك الأثناء، من سنة 2011، حضورا بارزا، مع ما صاحبها من تداعيات إيجابية وسلبية، من مشاهد جميلة في الملعب، وأحيانا قبيحة، بل مأساوية جدا، أدت في أحيان إلى وفيات.

صار العمل منظما بشكل جيد جدا، إذ صار كل زميل يعرف ما له وما عليه. غير أننا بدأنا نسمع ما يطرح شكوكا حول إمكانية الاستمرار، وهو ما أثر على سير العمل. كان يلزمني والأخ العطافي، على الخصوص، أن نخفي قلقنا لكي نبقي على الأمل لدينا ولدى الزملاء في الجريدة. نتقصى الأخبار من الإدارة كلما أتيحت لنا الفرصة، ونعرض الجديد على الجميع، ثم نواصل العمل، كأن كل شيء على ما يرام.

بقينا على حالنا ذلك، إلى أن طُلِب مني والأخ العطافي، ذات صباح، أن نحضر إلى مكتب مغلق، لاجتماع عاجل مع كل من المدير الإداري إبراهيم منصور والمدير المالي هشام مبشور، وأُبْلِغْنا، مباشرة، بأن جريدتنا "المساء الرياضي" ستتوقف، لأن المواصلة لم تعد ممكنة. كان الخبر صادما حقا، غير أنه لم يكن لدينا أي اعتراض. فقد كان واضحا بأن القرار اتخذ من قبل، وأن أي نقاش لن يكون مديا.

في لحظة تالية، وقد دخل محمد العسلي، إلى المكتب، إذا بي يسأل منصور ومبشور:"هل أخبرتماهما بالقرار؟". وحين تلقى الجواب بالإيجاب، سألنا:"ما تقولان في القرار؟". رددت عليه في الحين:"بما أن القرار صدر، فلا تعليق". ولم يعد لاجتماعنا في تلك الأثناء من داع، وهو ما جعلنا نطلب الانسحاب، على اعتبار أن كل شيء صار منتهيا، ولاسيما أن القرار جاء نافذا من حينه، إذ لم نعط فسحة كي نبحث عن بديل، أو نناقش الأمر.

عرض علي، مباشرة بعد ذلك، أن أشغل موقع سكرتير تحرير يومية "المساء"، على أن يبقى راتبي كما هو. ثم عرض علي أن أصبح رئيسا للتحرير. غير أنني لم أكن أطمح إلى ذلك، ولاسيما في تلك الظروف، ولست أدري ما إن كان المدير رشيد نيني سيعود إلى موقعه السابق، أم أن الأمور ستتغير كلية، أم أن قرارا آخر قد ينزل صدفة، فيصبح المشروع كله في خبر كان.

عاتبني كثيرون من الزملاء، لأنني لم أقبل رئاسة تحرير يومية "المساء"، غير أنني كنت أحسب حسابي الخاص. فالأمر ليس منصبا فقط، بل ما يستدعيه من مسؤوليات، وبخاصة في مؤسسات هشة للغاية، سرعان ما يصبح فيها إكراه الإصدار اليومي ضاغطا، فيتحول معه العمل إلى جحيم، والزمالة إلى عداوة، والأفق إلى سقف عند الرأس.

لم أكن أبدا مستعدا لأضحي بنفسي من أجل منصب. والحمدلله أن ربي سهل لي في ذلك. والحمدلله أكثر أن الأبواب ظلت مفتوحة، ومن ضمنها باب جديد فتحه الله لي في تلك الأثناء، إذ تلقيت اتصالا من توفيق بوعشرين، يطلب مني اللقاء به، على أساس الالتحاق بتجربته الصحفية، رئيسا للقسم الرياضي.

__

(في الصورة زملائي في "المساء الرياضي"، إبراهيم الصبار، وسفيان أندجار، ومحمد الشرع، الذي كان يشتغل من الرباط، ويوسف أبوالعدل، وخديجة الحريري، ويوسف الكاميلي، وصلاح المغاني، أما بقية الزملاء، فكان من الرباط خالد الجزولي، وكان معنا في الدار البيضاء، نادية كريول، ورشيدة (..) وعبدالصمد الجعفري في التركيب، وفي المراقبة اللغوية الأخ سعيد محتاج، والأخت حفيظة العطافي).