"يسعى مصطفى حجازي في هذا الكتاب إلى تفسير مأزق المجتمعات العربية المزمن في عجزها عن تحقيق التغيير الحقيقي والديمقراطية والتنمية المستدامة. يركز على فرضية أساسية: أن هناك ثلاثية مدمرة (العصبيات – الفكر الأصولي – الاستبداد) تترسخ في اللاوعي الجمعي الثقافي منذ ما يقارب ألف عام، وأن هذه الثلاثية هي المسؤولة عن انحطاط الحضارة العربية الإسلامية واستمرار أزمات الحاضر.
يطرح حجازي أطروحته باعتبارها امتدادًا لمشروعه الفكري-النفسي-الاجتماعي في كتابيه السابقين سيكولوجية الإنسان المقهور وسيكولوجية الإنسان المهدور، حيث يحاول هنا تفكيك الجذور التاريخية والثقافية التي تنتج أنماط الاستلاب والهدر داخل الأوطان العربية.
المحاور الرئيسية
1. العصبية كأساس للبنية الاجتماعية والسياسية
يرى حجازي أن العصبية ظلت المحرك الخفي للبنى الاجتماعية والسياسية منذ سقوط الحضارة العربية الإسلامية في عصور الانحطاط.
العصبية ليست مجرد رابطة قبلية أو عشائرية، بل هي ذهنية عامة تحكم علاقات السلطة، تبني الولاءات، وتحدد التصورات عن الذات والآخر.
هذا النمط من التضامن يغلق الباب أمام تشكل مجتمع مدني مؤسس على الفرد الحر والمواطنة، ويستبدل ذلك بتبعية مطلقة للجماعة أو الزعيم.
2. الأصولية كذهنية ثقافية موروثة
الفكر الأصولي لم يكن مجرد موقف ديني صارم، منذ تكفير المعتزلة ومنع الفلسفة، تجسدت قطيعة معرفية عميقة.
الأصولية وظّفت الدين كأداة لشرعنة الحكم السلطوي، وأشاعت خطاب الجبرية بوصفه حتمية طبيعية.
3. الاستبداد السياسي كحاضنة للهدر
الاستبداد نتاج تحالف العصبية والأصولية، من السلاجقة والبويهيين إلى العثمانيين، حوّل السلطة إلى مطلق مقدس، فعطّل الانفتاح الفكري وكبَح العقل النقدي، مما بدّد الطاقات الإنسانية وأنتج ذهنية الخضوع.
4. غياب الثورة الثقافية في العالم العربي
يشير حجازي إلى أن العرب، رغم محاولات التحديث الشكلية، لم يحققوا نقلة مماثلة للثورة الثقافية التي صاحبت الثورة الصناعية في الغرب.
غاب المشروع المؤسسي لإعداد إنسان منتج ومواطن حر في إطار دولة قانون.
بقي سلطان الغيب يهيمن على سلطان العقل، وظلت أنظمة التعليم والتنشئة تكرّس الذهنية العصبية والأصولية بدل أن تفتح آفاق التفكير النقدي والإبداعي.
5. اللاوعي الجمعي كآلية لاستمرار الانحطاط
تكمن قوة الثلاثية المدمرة في أنها ترسخت في اللاوعي الثقافي الجمعي، حيث تستمر عبر أنماط التفكير اليومية، والنظرة إلى الذات والآخر، وتصور السلطة.
اللاوعي الجمعي يعيد إنتاج القبول بالعصبية والأصولية بوصفها «حتميات وجودية».
الخلاصة
يقدّم حجازي أطروحة جذرية: إن أزمة العرب ليست وليدة الأنظمة الحديثة، بل هي ثمرة تراث طويل من العصبية والأصولية والاستبداد، ترسخ في البنية العميقة للاوعي الجمعي منذ قرون الانحطاط. هذا التراث ما يزال يكبح أي مشروع للتغيير، لأنه ينتج أنماط الاستلاب والهدر.






