تحليل

شَرِكَةٌ مُتَعَدِّدَةُ الأحْزَابِ

صلاح بوسريف (شاعر)

كُلَّمَا سَمِعْتُ كلمةَ مُعارَضَة تساءلْتُ: هل ما زالت المُعَارَضَة كما عَرَفَهَا النَّاس قبل اليوم، تلك المُعَارَضَة التي كَانت شَرِسَةً، لا بمعنى الصُّراخ، والنقد بدون جدوى، بل المُعَارَضَة بما هي مبادئ وخِطابات تَنْسَجِم مع من يُلْقِيهَا بِكُلّ القراءات، والمُواجهات والنُّقُود التي تَنْهَال بها على الحكومة، وعلى سياساتها، واختياراتها، وما تكون وَضَعَتْ فيه البلاد من مَآزِقَ انعكست سَلْباً على الاقْتصاد، والمجتمع، وعلى سوق الشُّغْل، والصِّحَة والتَّعْلِيم، والفِلاحَة، والثروة الحيوانية والمائيَّة، وغيرها من القِطاعات الحيوية الَّتِي إذَا ما اخْتَلَّتْ، اخْتَلَّت معها البلاد، ودَخَلَتْ في المجهول، ما يجعل الفَتَائل قَابِلَة للاشتعال.


الحكومات الَّتِي مَضَتْ، كانت، في كُلِّ الأحوال، تحسبُ حِسابَ المُعارَضَة، وكانت المُعارضَة، حتَّى حين لا تَكْسِبُ جولات الحوار والنِّقاش والنقد في البرلمان، فهي كانت في تجمُّعاتِهَا، وجرائدها، وفي ما تُعْلِنُهُ من إضرابات، عبر النَّقَابات الموالية لهَا، تَنْزِلُ بثقلها، ويكون لها تأثير على الحكومة من خارج البرلمان، وكم من الجَوَلات التي لم تنْتَهِ بكَسْبِ المعركة بالنُّقَطِ، كُسِبَتْ بالضَّرباتِ القَاضِيَّة، في الشَّارع، وفي الإضرابات التي كَانت الدولة، قبل الحكومة، تعتبرها خَطَراً، وقد تؤول إلى ما لا ترغبُ فيه من انْحِرافاتٍ أو انْجِرافاتٍ، كما كان وَقَع في أكثر من إضراب، إمَّا السلطة من ساهَمَتْ في إشْعَال فتيلها، أو أنَّ النَّقَابات رَفَعَتْ من وتيرتها، وواجَهَتِ الدولة، وهي حينها كانت تَعْرِفُ من هو اللاعِب الحقيقي الذي كانت تواجِهُهُ، وكان، في غالب الأحيان، يَضْرِبُ من تَحْتِ الحزام.


المُعَارَضَة، اليوم، عَارِضَةٌ، ولن أكُونَ قَاسِيّاً إذا قُلْتُ اسْتِعْراضِيَّة، بدليل أنَّ الحكومة الحالية، لا تُولِي لها أدْنَى اعْتِبَار، وتفعل ما تشاء، عِلْماً أَنَّ هذه الحكومة، ضَعِيفَة، هَجِينَةٌ، لا علاقَة لها بالحِزْبِ، ولا بالسِّياسة، هِيَ حكومة مَعامِل، ومصانع، وشَرِكَاتٍ، وصَفَقَات، واستثمارات، حكومة السُّوق، لا حُكُومَة دولةٍ وشَعْبٍ، فالدَّوْلَة، التي نَظُنُّهَا الحَكَم، تَأكُل التَّوْمَ، كما فَعَلَتْ مع من كانوا قَبْلَهَا، بِفَمِ الحكومة التي تُدافِع عن اختيارات، وقَراراتٍ لا علاقَة لها بها، وهذا كان يَحْدُثُ، وما زالَ يحْدُثُ، وكَانَتْ الأحزاب الإدارية التي طُبِخَت في مطابخ الدولة، هِيَ اليَد التي بِهَا تَبْطِشُ، وتَفْرِضُ ما ترغبُ فيه من اختياراتٍ، الشَّعْبُ، بما تعنيه كلمة شعبٍ من الطبقات المُعْوِزَة التي تعيش في ضَيْقٍ وفُتُور، هو من يُؤَدِّي فَاتُورَتَها.

وأعُودُ إلى المُعَارَضَة، فهي تُعارِضُ مَنْ، وما النَّزِيفُ الَّذِي أَوْقَفَتْهُ، وماذا انْتَزَعَتْ من هذه الحكومة من مَكاسِب اسْتَفَادَ منها هذا الشَّعْب. لا شيء. 


ليس الحُكْم مُجازَفَة، أو تَضْلِيلاً، هذه هي حقيقة ما يجري، وحقيقة مُعَارَضَة فَشِلَت فِي أوَّل اخْتِبَارٍ لها، في تقديم مُلْتَمَس الرَّقَابَة، ولو كَان حدث تَعْدِيلٌ حُكومِيّ حقيقيّ، واقترحت الحكومة على أحزاب من المُعارضة الالْتِحاق بها، لسَارَعَتْ إلى الكراسيّ، وغيَّرَت لِسَانَهَا، لتتكلَّم بنفس لِسان الحكومة، وكَأَنَّ لا مبادئ للحزب، ولا اختيارات فِكْرِيَّة وأيديولوجية، والحقيقة لا تَقُول العَكْسَ، فَكُلّ هذه الأشياء انْتَهَتْ، ولا حِزْبَ عاد يُناضِل من أجل الشَّعْب، الجميع، بمن فيهم اليَسَار، صار نِضالُهُ من أجل السلطة والكراسيّ، وما سينتزعه من مناصب هُنا وهُناك، ليصير الأمْرُ، وكَأنَّه شَرِكَةً مُتَعَدِّدَة الأحزاب، لا أقَلّ ولا أكْثَر.