آخر الحروب الآن حروب السيطرة على وعي الشعوب، هذه الحروب لها أدوات وآليات ومراكز وعقول، حروب ترصد أو تستهدف:
1- كثل بشرية غير منسجمة طبقيا، ولكن يمكن تحريكها من خلال حاجيات مشروعة، في الغالب مطالب اجتماعية تأخر زمن الاستجابة لها، وأصبح التعبير عنها أحيانا بطرق عنيفة، هذه الكثل عاجزة عن تصور الحلول لأن شروط إنجازها متحكم فيها وطال الانتظار في تنزيلها، ثم إن هذه الكثل فقدت الثقة في كثير من المؤسسات بسبب كثرة الوعود و التأجيل، وهي ترى مشاريع أخرى اقترحت بعدها بزمن وتم إنجازها،
2- انهيار المؤسسات الوسيطة التي كانت تمثل صمام أمان السلم الاجتماعي، مثل النقابات والاحزاب والجمعيات المدنية، هذه المؤسسات تراجعت مكانتها عالميا وكانت ذات وزن اعتباري ورمزي، اشترتها الرأسمالية المتوحشة أو اخترقتها أو حملتها على التنازل بطرق غير أخلاقية، بل قامت بتشريعات تعطل فعاليتها ووظيفتها مثل قانون الإضراب على سبيل المثال،
3- من أدوات حروب السيطرة على الوعي دفع المجتمعات الى التنميط في التفكير و التخلص من كل آليات المشاركة أو النقد أو السؤال، بحيث تدفع الجماهير لما صنعته كحلول نهائية، وهي حلول السوق وتركيز الثروات في يد فئة قليلة جدا.
حلول في الغالب تجعل من الكتل زبناء التدوير الاقتصادي او الاستهلاك واختصار المشاركة السياسية في الادلاء بورقة في يوم الانتخابات ، واختزلت الديمقراطية في هذا الفعل،
4- تعطيل السلم الاجتماعي الأساسي والممثل في التعليم العمومي الذي كان إلى عهد قريب ومن خلاله يصعد أبناء الفقراء الى الطبقة المتوسطة،
5- إنجاز وتصميم نظام اقتصاد بديل لنظام العيش والاستهلاك المحلي وبديل لنظام الطعام المحلي مما جعل الصناعات الغذائية تدمر نموذجا رائعا ومتميزا ومستقلا تمت عملية بناءه عبر مئات السنين (الزيت الزيتون العسل، القديد، الخليع..... ) و ربط أجيال باستهلاك غير صحي، مما عمق أزمة الصحة وظهور أمراض في سن مبكرة سميت بأمراض مزمنة ليبقى الإنسان زبونا لشركات الأدوية العابرة للقارات،
6- تفكيك الفضاءات الروحية والاجتماعية السوية التي كانت تضمن التوازن النفسي الروحي واستبدلت بنماذج تقوم في الغالب بغسل دماغي شامل، هي جزء من حرب الوعي، و مع دخول جهاز التلفاز من قبل بشكل كثيف أولا، ثم وصلنا إلى العزلة الشعورية و النفسية مع المحول الآن، أصبحت عملية إنقاذ هذا الوعي من السيطرة مهمة صعبة جدا وان كانت غير مستحيلة.
خلاصة، هذه بعض المقدمات التي اعتمدتها الرأسمالية المتوحشة من أجل تزييف الوعي والانتصار على الوعي الحقيقي الذي يحمي الإنسان من التلاعب بإرادته، وحريته كرامته، ومن خلال صناعة وعي بديل يجعله ظاهرا يبدو و حرا ولكن في العمق هو امتداد لما يريده صناع التحكم في العالم، الذين تطورت أدوات السيطرة لديهم ومنها الارتقاء بالاغبباء الي مواقع تسهل هذه السيطرة، وما مشهد يساري يتمسح بأعتاب ضريح إلا صورة مصغرة للسيطرة على الوعي.
وما مشهد متلعثم متعتر اللسان و فاقد الفهم يتحدث عن منظومة التعليم التي تعتمد سلما تصاعديا يبدأ بالمعرفة والعلم والفهم والتطبيق والتحليل ثم التركيب والتقييم والمراجعة الا علامة على المجيئ بعقل السوق لتزييف الوعي وشراء ما تبقى منن،
لعل من شرف اللحظة أن يساهم الإنسان في التصدي لهذا التزييف وهذه الحرب التي تسعى للسيطرة على عقول الشعوب ووعيها من خلال القضاء على مناعة بنيت عبر السنين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.






