سياسة واقتصاد

إنهم يضيئون آخر شمعة

مريم صباحي

كنت متأكدة من النتيجة، وكنت أرى النهاية قادمة منذ زمن، ومع ذلك حين وصلت لحظة الحقيقة وجدت نفسي أدخل في حزنٍ عميقٍ لا يوصف.

ليس لأنني تفاجأت، بل لأنني كنت أؤمن أن الحزب الذي كبرتُ فيه لا يمكن أن يموت بهذه البساطة، ولا أن ينتهي بصمتٍ كهذا.

حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان مدرسة للوعي، صار اليوم مجرد هيكلٍ باهتٍ يتحرك بعادة البقاء، لا بإرادة الحياة.

من بيتٍ كان يضج بالنقاش، والاختلاف، والكرامة، إلى مؤسسةٍ تُدار بمنطق الولاء والخضوع والصفقات.

إدريس لشكر لم يترك خلفًا، لأنه لم يُرِد أن يكون له خلف.

لقد صنع حزبًا على مقاس سلطته، لا على مقاس تاريخه.

جعل من القيادة غاية في ذاتها، ومن الأجهزة التنظيمية مجرد ديكورٍ يزين شرعيةً متهالكة.

ومع مرور السنوات، لم يعد الاتحاد يخلق القادة، بل الأتباع.

لم يعد يكوّن الوعي، بل يقتل الحلم ببطء.

في عهد لشكر، تفككت الأطر، وانسحب المناضلون الصادقون، وتحوّل النقاش الداخلي إلى تهمة.

غابت الفكرة الاتحادية التي كانت تجمعنا: فكرة أن السياسة هي التزام أخلاقي قبل أن تكون موقعًا انتخابيًا.

أصبح الحزب غريبًا عن نفسه، يعيش على ذكريات المناضلين الشرفاء، والجيل الذي جعل من الاتحاد ضميرًا للوطن.

لقد شاهدتُ هذا الانحدار عن قرب.

كنت أرى كيف يُقصى المختلف، وكيف يُكافأ الصامت، وكيف يتحول النقد إلى جريمة.

ورغم يقيني بما سيحدث، فإن السقوط حين وقع، جرح القلب أكثر مما توقعت.

إنه إحساس يشبه أن ترى بيتك يحترق، ولا تستطيع أن تفعل شيئًا سوى الوقوف أمامه تبكي الماضي.

اليوم، إنهم يضيئون آخر شمعة.

لكنها ليست شمعة الأمل، بل شمعة الوداع.

تلك التي تضيء للحظة، لتُعلن النهاية.

إنهم لا يدرون أن الضوء لم يعد علامة حياة، بل إشارة انطفاء بطيء لحزبٍ كان ذات يوم ضمير المغرب.