سياسة واقتصاد

أوجار والدولة العميقة والفساد: خرجة فصامية

خالد أخازي (كاتب وإعلامي)

في خرجة جريئة بنكهة يسارية لم نعهد لغتها لدى التجمعيين....و تبدو أقرب إلى تقرير لمراقب دولي منها إلى تصريح قيادي بارز داخل الحزب الذي يقود الحكومة، قرر محمد أوجار أن يرفع منسوب التجاسر ، وأن يخاطب الواقع السياسي المغربي بلغة لا يستخدمها عادة أعضاء المكتب السياسي لحزب يعرف بأنه حزب النفوذ المالي ورأس الحربة في هندسة التوازنات التقنية داخل البرلمان...

كأنه أوجار في كثير من المحطات... يقوم بالنقد الذاتي أو يهيء نفسه للخروج الحزبي نحو حزب آخر.... فهذه اللغة ليست لغة حزب الأحرار، منذ انتقاده للتعيينات في مؤسسات سيادية.

فالمثير في كلام أوجار ليس مضمون النقد ذاته، بل هوية صاحبه. إذ يصر على الحديث عن “الدولة العميقة”، وعن تضييق الدولة على الأحزاب، وعن هيمنة الولاة والعمال على القرار… وكأنه فعلا محلل سويسري محايد يراقب التجربة من بعيد، أو مناضل ماركسي لينيني يندد بالبنية الفوقية للدولة البرجوازية، لا عضوا في قيادة الحزب الذي يرأس الحكومة، والذي شغل بدوره مواقع تنفيذية حساسة داخل نفس الدولة التي يقول اليوم إنها تتحكم وتكبل.

السخرية السياسية هنا لا تأتي من الخارج، بل من المفارقة الحادة بين موقع الرجل وخطابه حول الفساد والنفوذ المالي الحزبي،إذ الحزب الذي ينتمي إليه هو نفسه الذي سحب قانون تجريم الإثراء غير المشروع، وأغلق نافذة كان المجتمع المدني يعوّل عليها ليحارب الفساد بأدوات قانونية حقيقية حينما سمحوا لوهبي بسحب القانون ومنع المجتمع المدني من محاربة الفساد. الحزب ذاته عرف قضايا تضارب مصالح، لن نفصل فيها... فهي حديث العام والخاص.

وهل نسي أوجار أنه اعتقل من صفوف الأغلبية الحكومية والمنتخبين و الفاعلين السياسيين من ينتمون إليهم وإلى أحزاب أخرى بتهم تتراوح بين اختلاس المال العام والارتشاء… 

ثم يأتي صاحبنا ليحدثنا عن ضرورة “المراقبة” و“محاربة الفساد”، وكأن السياق بريء لا يخصه.... 

 إن أوجار سبق أن انتقد في لحظات سابقة تعيينات ذات طابع سيادي في مؤسسات عمومية، وهي خطوة نادرة في المشهد السياسي، واليوم يرفع السقف أكثر، مستعملا قاموسا يثير الانتباه وربما الريبة داخل الحزب قبل الدولة. فعبارة “الدولة العميقة” ليست من الأدبيات المتداولة لدى التجمعيين، وانتقاد الولاة والعمال بهذا الوضوح لا يعد أمرا مألوفا لدى حزب يشكل رأس السلطة التنفيذية، ومارس السياسة في تعايش دائم في السلطة حد التعاون. 

ويبقى السؤال الذي يتداول في الكواليس: هل ما قاله أوجار نقد سياسي فعلي نابع من قناعة فكرية؟ أم هو مجرد خطاب ضغط موجه نحو الدولة بهدف إعادة ترتيب موازين داخلية؟ أم أننا أمام مهمة “انتحارية” من مهام الزمن السياسي الجديد، تسند عادة لوجوه قديمة لتوجيه رسائل لا يريد رأس الحزب قولها بشكل مباشر؟

سواء كان ذلك نقدا صادقا، أو ابتزازا منهجيا، أو مجرد تموضع جديد في لعبة السلطة… تبقى المفارقة قائمة:

الناقد اليوم هو نفسه أحد صناع المشهد الذي ينتقده، والجرأة التي يطالب بها الأحزاب كان يمكن لحزبه أن يمارسها خلال سنوات من السلطة الهادئة.

وهنا تكمن السخرية الكبرى... فأوجار يبدو كأنه يشرح أعطاب المغرب كما لو أنه لم يكن يوما جزءا منها....

ماذا يقع؟