قال ريمون آرون، المفكر السياسي الفرنسي "السياسة ليست فن الممكن، بل فن استباق الممكن." و في حضرة الممكن النسائي ..حكومة بكعب عالي
أطرح السؤال على نفسي كما لو كنت أختبر فرضية سياسية في مختبر هادئ: ماذا لو قادت فاطمة الزهراء المنصوري الحكومة المغربية القادمة؟
هل سنشهد تحوّلًا ناعمًا بتاء التأنيث، أم صلابة تكنوقراطية مغلفة بلباقة سياسية؟
المفصل الأول: حين تصبح الفرضية قابلة للتخيل
ليس السؤال من قبيل الترف الفكري، بل فرضية تحظى اليوم بمقومات موضوعية. نحن في زمن تراجعت فيه الثقة السياسية، وتكثفت فيه المطالب بنخب جديدة، لا تُستهلك في الخطاب، بل تُقاس بكفاءتها الميدانية. والمنصوري، بتجربتها في رئاسة المجلس الجماعي لمراكش، ثم في وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير، صعدت بهدوء، دون جلبة إعلامية، كما يفعل من يراهن على المنجز لا على اللغة.
المفصل الثاني: الرأس الحكومي بين الشرعية والنجاعة
أعلم أن المنصب لا يُنال فقط بالكفاءة، بل بشرعية مزدوجة: صناديق الاقتراع، وثقة المؤسسة الملكية. فهل المنصوري قادرة على تمثيل هذه المعادلة؟
إنها تنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، ثاني قوة برلمانية، وتُصنّف ضمن جناحه "المعتدل". هذا يعزز إمكاناتها التفاوضية، ويضعها في منطقة رمادية بين الولاء والفعالية. لكن... هل الحزب مستعد لتقديم امرأة على رأس الحكومة؟ وهل الشارع المغربي تجاوز سقف التمثيلية الرمزية للمرأة نحو قبول القيادة الفعلية؟
المفصل الثالث: من المحلي إلى الوطني... هل تتغير معادلة الإنجاز؟
في مراكش، راكمت المنصوري خبرة في تدبير ملفات معقدة: العقار، الاستثمار، السكن، والنقل الحضري. ولكن هل الانتقال من بلدية كبرى إلى رئاسة حكومة دولة بنفس الوزن؟
أعتقد أن التحديات على المستوى الوطني أعقد: ملف الحماية الاجتماعية، ترميم الثقة، إصلاح التعليم، والرهان التنموي في زمن شح الموارد. المنصوري تكنوقراطية بملامح سياسية، ولكن هل تملك تصوّرًا واضحًا للإصلاح الهيكلي؟ أم ستكون وجهًا هادئًا لقرارات ثقيلة تُدار في مكان آخر؟
المفصل الرابع: الأنوثة السياسية... بين الرمز والقدرة
دعوني أكون صريحة مع فكرتي: أن تقود امرأة حكومة مغربية هو حدث تاريخي. لكنه لا ينبغي أن يكون مجرّد “صورة وطنية” تُرفق بالخطابات الدولية.
ما أريده – وما ينتظره البلد – هو قيادة أنثوية لا تستعير لغة الذكور، ولا تنكفئ في سلوك الحذر. قيادة تمزج بين الحزم والذكاء، وتكسر الصمت التكنوقراطي بخطاب وطني له مضمون. هل المنصوري قادرة على ذلك؟ أظن أن فيها ملامحه، لكن لم تختبره بعد بما يكفي.
المفصل الخامس: الرؤية الاستباقية... سيناريوهات الحكم الممكنة
إذا تولّت المنصوري رئاسة الحكومة، فإن السيناريو الأقرب هو تشكيل حكومة تكنو-سياسية، تحافظ على التوازن بين الانضباط التقني والتفاوض الحزبي. وقد تكون وظيفتها، في العمق، إصلاح ما تعثّر في تجربة أخنوش، دون المجازفة بإعادة تدوير الوجوه نفسها.
لكن هناك سيناريو آخر: أن تكون المرحلة تمهيدًا لعودة "النسق المحافظ"، حيث تُستدعى الوجوه الناعمة لإخراج المشهد بأقل كلفة سياسية. وهنا يصبح السؤال: هل المنصوري جزء من مشروع تجديدي؟ أم ورقة مطواعة في لعبة توازنات فوقية؟
في الختام: السياسة ليست ما نراه، بل ما نفككه
هكذا أعود إلى سؤالي الأول، لا لأجيب عنه، بل لأتركه مفتوحًا، مشبعًا بإمكانيات القراءة:
ماذا لو قادت فاطمة الزهراء المنصوري الحكومة؟
ربما ستكون رئيسة حكومة بكاريزما هادئة، أو ربما ستكتشف أن النظام السياسي المغربي، مهما بدا مرنًا، يظل مجالًا تقليديًا، يصعب أن تقلبه امرأة وحدها... إلا إذا أتت وهي لا تبحث عن صورة، بل عن قرار..