تسربت صورة أو اثنتان لرئيس الحكومة المغربية رفقة أسرته بمنتجع فاخر بدولة أجنبية مما يوحي أنه يقضي عطلة في مكان رآه يليق به و يناسبه، هذه الصور كانت كافية لإحداث موجة استنكارية و لوم الرئيس على أسلوب الترف الذي ينهجه في حين يقبع الشعب في غرف التفكير داخل دوامة ارتفاع الأسعار و التعليم الرديء و قطاع صحي مهتريء و منظومة تغيب عنها العدالة المجالية و الإجتماعية و الحديث يطول حول تمظهرات الفقر و اتساع الهوة بين نمط عيش الرئيس و المواطن.
إلا أنني لم أنساق في موجة اللوم هذه و تساءلت:
لماذا يلام عزيز أخنوش على عدم تضحيته بعطلته من أجل السياحة الوطنية؟
هو تاجر و في أصل تكوينه لا وجود لمعنى التضحية أصلا؟ التاجر يسعى إلى الاستثمار، يستثمر وقته وماله ليجني المزيد من الأرباح.تعتبر التضحية في قاموسه، كلمة مهذبة لمعنى الخسارة، والخسارة بالنسبة لعالم "عزيز" هي خطيئة لا تغتفر.
لماذا يتم تصوير قضاء عطلته في سردينيا، كجريمة سياسية تستحق المحاكمة الشعبية. يا سيدات و يا سادة أخنوش رجل لم يأتِ من رحم السياسة، ولم يدع يوما أنه ابنها المدلل. هو ابن المال، وربيب السوق، وها هو يظل بارًّا بـ"أبيه" حتى اليوم.
المال ليس غريبا عنه هو ليس "مشتاق قد ذاق"، المال صديق قديم لازمه في كل تحركاته وسكناته. أخنوش يثق في المال، والمال وفيٌّ له، فتح له الأبواب و ساعده على الفوز بالمناصب، و علاقتهما لم تتأثر بدخول البرلمان ولا باعتلاء كرسي رئاسة الحكومة.
عزيز دخل المجال السياسي و لم يغير جِلده. لم يتصنّع صورة لا تشبهه، بل حافظ على مبدأ التاجر الذي يقيس كل خطوة بميزان الربح والخسارة. الشيء الوحيد الذي تغير هو شكل الميزان، بعد دخوله الحكومة، أصبح أكبر حجما وأكثر حساسية، لكنه ظل يخضع لنفس القاعدة الذهبية: "لا أخسر ما أستطيع أن أربحه".
الشيء الذي أثار سخريتي أن بعض خصومه يتصرّفون وكأنهم تفاجؤوا؛ وكأنهم كانوا ينتظرون أن يستيقظ فجأة وقد تحوّل إلى زعيم كارزمي يطوف الأسواق الشعبية بلا حراسة، أو إلى ناسك سياسي يبيع وقته للشارع. هذا تاجر، و ليس أي تاجر، إنه تاجر ناجح لا يتخلى عن أصدقائه القدامى، وأخنوش أقرب أصدقائه هو رأس المال. بالنسبة له، السياسة ليست بديلا عن المال، بل أداة لخدمته.
أليس أكثر شرفا أن يظل وفيا لأصله، من أولئك "المناضلين" الذين خرجوا من رحم السياسة ثم انقلبوا عليها حين ذاقوا طعم السلطة؟ “الشبع بعد جوع” هؤلاء مارسوا العقوق السياسي، تنكروا لمبادئهم، وتحولوا إلى تجار… ولكن من نوع أسوأ، لأن تجارتهم تبدأ بالمواقف وتنتهي بالمناصب.
لا أظن أن المشهد السياسي المغربي، يسمح لأحد بالنجاة من الامتحان الأخلاقي. رئيس حكومتنا المبجل لم يغير نفسه، وهذه ميزة نادرة حتى لو لم تعجب الجميع. أما المأساة الحقيقية، فهي في جيل من السياسيين احترفوا فن التلوُّن، يبدّلون جلدهم كما يبدّلون تحالفاتهم، ويعتبرون السياسة مجرد درج يوصلهم إلى مكتب واسع أو مقعد وثير. هؤلاء ليسوا أبناء المال ولا أبناء السياسة، بل أبناء الفرصة، وأبناء الفرصة لا يعرفون لا برًّا ولا وفاءً.
صدقا لو بقي أخنوش على رأس الحكومة لعشر ولايات أخرى، فلن يتغيّر المشهد كثيرا؛ سيبقى هو نفسه، يسخر كل إمكانياته وامتيازاته لخدمة مصالحه أولا، ثم ينظر بعد حسابات دقيقة إن كان في مصلحة الآخرين نصيب من الفائض. فالسياسة بالنسبة له، مثل موسم الصيد: ما يعلق في الشبكة لك، وما يهرب… فهو لم يكن لك أصلا.التاجر الشاطر لا ينسى أول أرقام الربح التي تعلمها حتى لو تغير الميدان من قاعة البورصة إلى قاعة البرلمان.
تلميح/ميمونة الحاج داهي
ملاحظة/ إذا لم يتمكن عزيز أخنوش من تغيير عقلية التاجر فلتساعدوه في الخروج من رئاسة الحكومة ..






