إذا كانت الاحتجاجات الشبايية عرت واقع قطاع الصحة الذي يعاني تردي الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، فإنها كشفت من جهة أخرى واقعا لا يقل مرارة ويتعلق الأمر بالدعم السخي الذي ظلت تقدمه وزارة الصحة للقطاع الصحي الخاص، في سياق توجه الحكومة نحو التملص من مسؤولياتها في التكفل يصحة المواطنين ونقل هذا الاحتصاص نحو القطاع الخاص رغم التكلفة المالية الباهظة للخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات الخاصة للمواطنين.
بعدما قدمت وزارة الصحة طيلة سنوات إعانات استثمارية حكومية بملايين الدراهم للمستشفيات الخاصة، لتقليل عبء الإقبال على المستشفيات العمومية التي تعاني أزمة بنيوية، أعلن وزير الصجة أمين التهراوي ، منتصف الأسبوع الجاري، عن وقف هذا الدعم الذي لم يعط ثماره ولم يحقق النتائج المرجوة منه.
هكذا كشفت احتجاجات جيل Z عن واحدة من أكثر الفضائح في منظومة الصحة المغربية، وهي أن الحكومات ظلت لسنوات، بميرر "تشجيع الاستثمار الصحي”، تمنح إعانات واستثمارات عمومية للمصحات الخاصة التي تفرض تكاليف مرهقة على المرضى وتنهك قدرتهم الشرائية، بينما تعاني المستشفيات العمومية من خصاص مهول في التجهيزات الأساسية.
ولم "يتفطن" الوزير الوصي إلا أخيرا لهذا الواقع المرير، ليعلن أمام اللجنة البرلمانية الخميس الماضي أن الوزارة “تخوض حربا ضد المصحات التي تستغل المرضى عبر رفع الفواتير وتضخيم الملفات العلاجية وأن 20 لجنة تفتيش تنفذ زيارات شهرية للمراقبة”.
في تقرير حديث، انتقدت جمعية “أطاك المغرب” ما سمته بـإجهاز الحكومة منذ سنة 2011 على نظام الصحة العمومية بإصدارها لقانون إطار رقم 34.09 المتعلق بالمنظومة الصحية و بعرض العلاجات .
وقال التقرير إن "هذا القانون ينسف الحق في الصحة و يؤسس لتراجع الدولة عن تحمل مسؤولية التكفل بالعلاجات الصحية و يقلب جميع المفاهيم المتعلقة بالصحة و يتيح إمكانية فتح المستشفيات العمومية أمام مختلف أشكال الخوصصة. و بذلك يمكن القول إنه يشكل منعطفا استراتيجيا في سيرورة القضاء على الصحة كخدمة عمومية."
وأضاف التقرير أن "تخلي الدولة عن مسؤولية الصحة يتأكد في المادة السادسة التي أدرجت القطاع الخاص كمساهم بجانب الدولة في تحمل مهام تقديم الخدمات العلاجية الأساسية و توفير التجهيزات و البنيات التحتية و تكوين الأطباء و الممرضين".
وأكد التقرير أن "الخوصصة تكتسي شرعية قانونية بعد أن جرى التمهيد لها بإصلاحات نيوليبرالية طبقت بالتدريج لما يزيد عن 10 سنوات. و هنا تكمن غاية إصدار قانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية و بعرض العلاجات، فبعد أن بات المستثمرون الخواص ينافسون مؤسسات الصحة العمومية لمدة طويلة من الزمن، أصبح بإمكانهم الآن التدخل كمقدمين لخدمات المرفق العام للصحة من خلال الشراكة بين القطاعين العام و الخاص و التي لا تنحصر فقط في البنيات التحتية و التجهيزات و توفير التكوين و تقديم الأطباء و الممرضين، و إنما تمتد إلى تقديم العلاجات الأساسية و كل ما تعلق بالوقاية و التشخيص و العلاج".






