قال وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، الأربعاء، أن إعداد مشاريع القوانين المتعلقة بالمنظومة الانتخابية، تم في سياق مشاورات موسعة وبناءة مع مختلف الفاعلين السياسيين، تماشياً مع التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش لـ29 يوليوز 2025، الذي دعا فيه الملك إلى اعتماد المنظومة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب قبل نهاية السنة، وفتح حوار جدي مع الأحزاب حول مضامينها.
وأضاف لفتيت خلال تقديم النصوص الانتخابية أمام لجنة الداخلية بمجلس النواب، أن وزارة الداخلية عقدت لقاءات مع زعماء الأحزاب في 2 غشت 2025، تلتها مشاورات معمقة خلال شهر شتنبر، أفضت إلى توافق واسع حول أهم التوجهات التشريعية المقترحة، مؤكدا أن النقاش اتسم بروح المسؤولية والالتزام بخدمة الصالح العام.
وأوضح الوزير أن الهدف الأساس من الإصلاح هو “تخليق الحياة السياسية وتعزيز ثقة المواطن في المؤسسات المنتخبة، من خلال إرساء قواعد صارمة تضمن نزاهة العملية الانتخابية في كل مراحلها، من إيداع الترشيحات إلى إعلان النتائج”.
وفي هذا السياق، كشف لفتيت أن مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25 المتعلق بمجلس النواب، يتضمن مقتضيات جديدة تمنع الترشح على كل من تم ضبطه في حالة تلبس بارتكاب جرائم تمس النزاهة أو الأخلاق العامة أو صدقية الانتخابات، أو صدرت في حقه أحكام قضائية ماسة بالأهلية الانتخابية. كما يشمل المشروع منع المترشحين الذين تم عزلهم من مهام انتدابية بسبب مخالفات جسيمة من الترشح لدورتين انتخابيتين متتاليتين، حفاظاً على هيبة المؤسسات التمثيلية.
وأكد الوزير أن هذه الإجراءات تهدف إلى “تحصين المؤسسة النيابية من أي ممارسات تسيء إلى صورتها أو تضعف ثقة المواطنين في العملية الانتخابية”، مبرزاً أن الحكومة تستلهم في ذلك “تجارب الديمقراطيات العريقة والعبر المستخلصة من الممارسة الانتخابية الوطنية”.
وشدد لفتيت كذلك على ضرورة تحييد الإدارة عن المنافسة السياسية، مشيرا إلى أن المشروع يقترح مضاعفة فترة المنع من الترشح لبعض أطر الدولة وموظفيها، وخاصة العاملين بوزارة الداخلية، ضماناً لتكافؤ الفرص بين المترشحين.
ومن جهة أخرى، أشار الوزير إلى أن النص الجديد يتصدى لحالات النواب الذين يوجدون رهن الاعتقال لمدة طويلة، عبر تجريدهم من صفتهم النيابية، حماية لسمعة المؤسسة التشريعية. كما تم إدراج مقتضيات تشدد العقوبات على الجرائم الانتخابية، وتضاعف الغرامات والعقوبات الحبسية في حق من يعبث بنزاهة الاقتراع أو يحاول التأثير في نتائجه.
ولم يغفل لفتيت التحديات التي تطرحها التكنولوجيا الحديثة، موضحا أن المشروع يجرّم استعمال شبكات التواصل الاجتماعي أو أدوات الذكاء الاصطناعي لنشر الأخبار الزائفة أو التشهير بالمترشحين أو التأثير في إرادة الناخبين، مع تحديد عقوبات سجنية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات وغرامات تصل إلى 100 ألف درهم.
كما أكد وزير الداخلية على أن “صون سمعة المؤسسة النيابية مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة والأحزاب والمجتمع”، مضيفا أن الحكومة عازمة على المضي في مسار تخليق الحياة العامة، وتكريس انتخابات نزيهة تعكس الإرادة الحرة للناخب المغربي، في أفق تعزيز المسار الديمقراطي الذي يسير عليه المغرب بثبات تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس.
وأكد المسؤول الحكومي، أن التحولات التكنولوجية المتسارعة وما أفرزته من انتشار واسع لوسائل الإعلام والتواصل الحديثة، فرضت مقاربة تشريعية جديدة توازن بين صون حرية التعبير وحماية العملية الانتخابية من أي محاولة للتأثير أو التضليل.
وأوضح أن المشروع استحضر التحديات الناشئة عن الاستعمال المتزايد لتكنولوجيا التواصل، باعتبارها اليوم مصدرا رئيسيا للحصول على المعلومات ونشرها، لكنه في المقابل نبه إلى مخاطر استغلال بعض الأطراف لهذه الوسائل لتزييف الحقائق وتضليل الرأي العام بشأن سير العملية الانتخابية. ومن هذا المنطلق، يقر المشروع تجريم استخدام هذه الوسائل في ارتكاب جرائم انتخابية تمس بمصداقية الاقتراع.
وتشمل هذه الجرائم، حسب ما أوضح المسؤول الحكومي، استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، أو شبكات البث المفتوح، أو أدوات الذكاء الاصطناعي، أو أي منصة إلكترونية أو تطبيق يعتمد على الأنترنيت أو الأنظمة المعلوماتية، بغرض نشر أو توزيع إعلانات أو منشورات انتخابية أو غير انتخابية يوم الاقتراع، أو ترويج أخبار زائفة أو إشاعات كاذبة للتأثير على اختيارات الناخبين أو دفعهم إلى الامتناع عن التصويت، أو إحداث اضطراب في سير عمليات الاقتراع، أو المس بحرية التصويت وسريته ونزاهته.
وفي هذا السياق، تضمّن المشروع مادة جديدة هي المادة 51 المكرّرة، التي تنص في فقرتها الأولى على تجريم استخدام وسائل الإعلام والتواصل الحديثة لبث أو توزيع تركيبات مكونة من أقوال أو صور أشخاص دون موافقتهم، أو نشر أخبار أو ادعاءات كاذبة أو مستندات مدلسة، بقصد التشهير بالمرشحين أو المس بالحياة الخاصة للناخبين.
وحدد النص العقوبات المترتبة عن هذه الأفعال في حبس تتراوح مدته بين سنتين وخمس سنوات، وغرامة مالية بين 50.000 و100.000 درهم، مع تطبيق نفس العقوبة على كل من ساهم أو شارك بأي وسيلة في نقل أو بث أو توزيع إشاعات أو أخبار زائفة تروم التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات.
وشدد لفتيت على أن الفقرة الثانية من المادة المذكورة صيغت بطريقة دقيقة وحصرية، لا تترك أي مجال للتأويل أو التفسير، إذ تتعلق حصراً بنشر الإشاعات والأخبار الزائفة عبر الوسائط التكنولوجية الحديثة بقصد التشكيك في العملية الانتخابية، ولا علاقة لها بتقييد حرية التعبير أو إسكات الأصوات المنتقدة. وأبرز أن الوقائع الثابتة أو المعطيات الموثقة لا تخضع إطلاقا للعقوبات المنصوص عليها.
وأكد وزير الداخلية أن الهدف من هذه المقتضيات الزجرية هو حماية سلامة ونزاهة العمليات الانتخابية من حملات التضليل الرقمي التي قد تمس بشرعية المؤسسات المنتخبة، في ظل ما يتيحه الذكاء الاصطناعي من إمكانيات هائلة لتركيب صور ووثائق وتصريحات زائفة، تنتشر بسرعة يصعب معها التحقق أو التصويب.
وفي الإطار ذاته، أشار لفتيت إلى أن المشروع الجديد يجرّم نشر الإعلانات السياسية أو المنشورات الانتخابية المؤدى عنها عبر منصات أو مواقع إلكترونية أجنبية، باعتبارها إحدى القنوات التي قد تُستغل للتأثير الخارجي على إرادة الناخبين.
وأكد المتحدث على أن هذه المقتضيات لا تمس إطلاقاً حرية الرأي أو التعبير، بل تروم فقط تحصين التجربة الديمقراطية الوطنية وصون نزاهة الاقتراع، معتبرا أن حرية التعبير مسؤولية وأن حماية النقاش العمومي من التضليل شرط أساسي لثقة المواطنين في العملية الانتخابية ومصداقية المؤسسات التمثيلية.






