أكدت مكونات المعارضة بمجلس المستشارين،الخميس، خلال مناقشة مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، رفضها للصيغة الحكومية الحالية للنص، معتبرة أنه يشكل “تراجعا خطيرا عن فلسفة التنظيم الذاتي للصحافة”، و“تهديداً لاستقلالية المهنة وحرية التعبير”.
وعبرت عن قلقها من “المنهجية الحكومية المتسرعة” في إحالة النص، و“تغليبها منطق الضبط الإداري على المقاربة التشاركية التي يفرضها الدستور”.
واعتبر المستشار البرلماني عن الفريق الاشتراكي، إسماعيل العالوي، خلال اجتماع لجنة الشؤون الاجتماعية بمجلس المستشارين، أن الحكومة “اختارت تمرير هذا النص في نهاية الدورة البرلمانية وفي سياق زمني ضيق لا يسمح بنقاش مؤسساتي موسع”.
وقال إن هذا “المسار التشريعي السريع يتنافى مع مبدأ المقاربة التشاركية التي طالما التزمت بها الحكومة”، مضيفاً أن “إعادة تنظيم المجلس يجب أن تهدف إلى تقوية استقلاليته وتطوير صلاحياته، لا تحويله إلى جهاز إداري للضبط والتأديب”.
وانتقد المتحدث “عدم المساواة بين ممثلي الصحافيين والناشرين في نمط الانتخاب”، موضحاً أنه “من غير المنطقي أن يُنتخب الصحافيون في حين يُنتدب الناشرون، لأن ذلك يضرب مبدأ التمثيل الديمقراطي في الصميم”. مسجلا “أن اعتماد نمط الاقتراع الفردي بدل اللائحي يضعف الشفافية وتكافؤ الفرص”، داعياً إلى “توحيد القاعدة التمثيلية وتوسيع حضور الصحافة الجهوية والنسائية في المجلس”.
وحذر العالوي من أن المجلس “مهدد بأن يتحول إلى أداة ضبط وتأديب بدل فضاء للدفاع عن حرية الصحافة”، معلناً “رفض الفريق الاشتراكي التصويت على مشروع القانون بصيغته الحالية، واستعداده للمشاركة في صياغة بديل ديمقراطي يحصن المهنة ويعزز الثقة بين الصحافيين ومؤسساتهم”.
من جهته، عبر خالد السطي، ممثل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بمجلس المستشارين،عن “أسف شديد لغياب التفاعل الحكومي مع الآراء الصادرة عن مؤسسات دستورية وازنة مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”، واللذين قدّما ملاحظات جوهرية تصب في اتجاه “تعزيز استقلالية المجلس وحماية حرية التعبير”.
وأوضح السطي أن رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي “نبّه إلى اختلالات بنيوية في تركيبة المجلس، بعدم التوازن بين ممثلي الناشرين والصحافيين، وهيمنة المقاربة الزجرية على المهام التأطيرية”، إضافة إلى “تجاهل التحولات الرقمية”.
كما أشار إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أكد على “ضرورة احترام مبدأ التنظيم الذاتي وملاءمة النص مع مقتضيات الدستور والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”.
وسجل أن المشروع “همّش النقابات المهنية واعتمد منطقاً إدارياً في تدبير المجلس، وتجاهل الصحافة الجهوية والرقمية ومقاربة النوع”، لافتاً إلى “غياب ضمانات الطعن القضائي في القرارات التأديبية، وعدم إخضاع المجلس للمساءلة البرلمانية”.
ودعا إلى “توسيع تركيبة المجلس لتشمل مؤسسات الحكامة والمجتمع المدني واعتماد الانتخاب باللائحة والتمثيل النسبي”، مؤكداً أن “الاتحاد الوطني للشغل سيصوت ضد المشروع إذا لم يتم إدخال تعديلات جوهرية تعيد إليه روحه الديمقراطية”.
وشدّد المستشار البرلماني عن الفريق الحركي، عبد الرحمان الدريسي، ،على أن الحكومة “كان ينبغي أن تمنح الوقت الكافي للنقاش حتى تُطرح كل الآراء والمقترحات”، مضيفا أن “محاولة بعض الأطراف تضليل الرأي العام والتشكيك في مشروعية المجلس أمر غير مقبول سياسياً وأخلاقياً”، مبرزا أن الهدف يجب أن يكون “تطوير التجربة لا تصفية الحسابات”.
ودعا الدريسي إلى أن يتم النقاش داخل “إطار من الاحترام والتعاون بين جميع المكونات المهنية والسياسية”، مذكّرا بأن المجلس “لا يخص الصحافيين وحدهم، بل يخص الوطن كله”. كما اقترح “إحداث لجنة تقنية مشتركة بين وزارة الاتصال والفرق البرلمانية والهيئات المهنية، للتوصل إلى توافقات قبل مرحلة التعديلات”، مؤكدا أن “المطلوب اليوم هو صفاء النية والتعاون من أجل حماية مؤسسة وطنية تمثل مكسباً ديمقراطياً مهماً”.
بدورها، اعتبرت المستشارة البرلمانية عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فاطمة أزكاغ، أن الطريقة التي أُحيل بها المشروع “تعكس تسريعاً غير مبرر في تمريره خارج السياق الوطني والدولي، وبما يخالف أحكام الدستور”.
وانتقدت أزكاغ “تجاهل الحكومة للحوار مع المعنيين بالقطاع”، مشيرة إلى أن “اللجنة نظمت يوماً دراسياً خلص إلى توصيات مهمة كان ينبغي بلورتها في تعديلات جوهرية، لا الاكتفاء بمقاربة شكلية لامتصاص الغضب”.
وأضافت أن “التصريحات الحكومية التي تقلل من دور مجلس المستشارين أو تعتبر أن المشروع غير قابل للتعديل، تمثل استهتاراً بالمؤسسة التشريعية”، مؤكدة أن “90% من الجسم الصحفي يعارض النص، إلى جانب خمسة وزراء اتصال سابقين عبّروا عن تحفظاتهم”.
وشددت أزكاغ على أن المشروع “يخرق مبدأ المشاركة النقابية المنصوص عليه في الفصل 8 من الدستور، ويمسّ التعددية والتمثيلية العادلة المنصوص عليها في الفصل 11، ويقوض فلسفة التنظيم الذاتي القائم على الاستقلالية والديمقراطية”.
ودعت الحكومة إلى “التراجع عن المشروع وإعادته إلى طاولة الحوار القطاعي”، مؤكدة أن “الصيغة الحالية مرفوضة رفضاً تاماً لأنها لا تنسجم مع التحولات التي تعرفها بلادنا بعد 31 أكتوبر 2025، وتضر بسمعتها الحقوقية على الصعيد الدولي”.






