فن وإعلام

الفعل التربوي مدخل لتثمين ذاكرة تراثنا الثقافي

سمير السباعي

يشكل تثمين تراثنا الشعبي بمختلف أشكاله التعبيرية اليوم مطلبا رئيسيا، من أجل التعريف بهويتنا الجمعية و ترسيخها خاصة لفائدة الأجيال المغربية الصاعدة كشرط لتعزيز انتمائها الحضاري للمجال و التصالح مع كل ما هو مغربي ساكن في أعماق تربتنا الوجودية على هذه الأرض السعيدة. ضمن هذا الإطار و بمناسبة الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء المظفرة و عيد الاستقلال المجيد، و تحت إشراف المديرية الإقليمية للتربية والتعليم الأولي والرياضة بمديونة و بتعاون مع مؤسسة التفتح للتربية والتكوين ثريا جبران. احتضن فضاء هذه الأخيرة صبيحة يوم الأربعاء 03 دجنبر 2025 لقاء تربويا بنفس تراثي شعبي فني من تأطير جمعية فرقة تكدة للمسرح والفنون الشعبية تحت شعار "التراث الفني و دوره في الاشعاع الثقافي و الحضاري لبلادنا و ترسيخ قيمنا الأصلية"، حيث شكلت هذه الصبيحة التربوية مناسبة لعدد من تلميذات وتلاميذ المؤسسات التعليمية التابعة لإقليم مديونة للتعرف عبر معرض فني توثيقي على أهم المحطات التاريخية التي أسست لمسار مجموعة تكدة كفرقة انبثقت ولادتها من رحم الحركة الغيوانية منذ بداياتها الجنينية الأولى بداية سنوات السبعينات من القرن الماضي. و يبدو أن المعرض قد منح لزواره من التلاميذ و الأساتذة و الأطر العاملة في الحقل التربوي التعليمي و بعض الفاعلين الثقافيين أمثال المسرحي المسكيني الصغير فرصة لاكتشاف ملامح تجربة مجموعة فنية مغربية اختارت مبكرا أن تتماهى مع الموروثات التعبيرية الشعبية في بلادنا، كقاعدة للتأسيس لفعل ثقافي فني مسرحي و غنائي طبع تجربة تكدة على امتداد عقود من الزمن بشكل أصبح لهذا الفرقة مساحة أصيلة في ذاكرة المتلقي الجمعي لا يمكن نكرانها.


 و لا ننسى أن المعرض بما احتواه من مجموعة صور توثيقية و أكسسوارات فنية و أزياء مسرحية و آلات موسيقية شعبية، قد أتاح كذلك للجمهور الحاضر التعرف عن قرب على ملامح من تراثنا المغربي الشعبي قولا و غناء و مسرحا قابلة لأن تتحول إلى أفق تربوي داخل ممارستنا التعليمية لفائدة الناشئة المغربية. مع العلم أن بعض المداخلات التي عرفتها الصبيحة التراثية التربوية، ذهبت في اتجاه تأكيد أهمية هذا الانفتاح للمدرسة المغربية على هكذا تعبيرات شعبية فنية تراثية ليس فقط من باب الاحتفاء الطقوسي إن صح التعبير بمثل هذا الجنس التراثي الشعبي الجمعي، وإنما كمدخل مؤسساتي يؤمن بضرورة جعل هذا الانفتاح ورشا تربويا لتثمين تراثنا الوطني و ذاكرتنا الشعبية على الأقل عبر ما نطق به الاحتفاء بالتجربة الفنية و الغنائية الملتزمة لمجموعة تكدة(جزء من أحاديث عزيز بويدية المدير الإقليمي لمديرية مديونة و إدريس كصرى مدير مؤسسة ثريا جبران) و هي المجموعة التي اختارت دار الشباب الحي المحمدي كفضاء تعلمي أول لبناء و تشكيل مسار فني آمن بالغناء الشعبي الناطق بالعمق التراثي للإنسان المغربي داخل المجال كأفق للممارسة الفنية لتكدة، التي شكل فيها المسرح أحد ركائزها الكبرى التي رسمت ووجهت أغلب أعمالها الغنائية و الفنية. (جزء من مداخلة هشام زوهري مكلف بالمسرح المدرسي بثريا جبران و أحمد دخوش الروداني مؤسس ورئيس تكدة). 


وتبقى هذه المبادرة تعبيرا عن حاجة قصوى لجعل مدرستنا المغربية قادرة على معانقة الفعل الثقافي، خصوصا أن النص الدستوري ببلادنا و الأطرالمرجعية المنظمة للحياة المدرسية تمنح أرضية ناظمة و مرجعية، لتفعيل الأوراش التربوية الكفيلة بتثمين عملي إن صح القول لهويتنا الجمعية و الحضارية داخل أسوار مؤسساتنا التعليمية، ما دام أن الهدف الأسمى هو تكوين و تأهيل أجيال مغربية قادرة على المساهمة في خدمة قضايا العمران بمفهومه الخلدوني داخل الوطن الأم المغرب (تفاعلا مع حديث لعبد الله لوغشيت الإعلامي والباحث في التراث الشعبي ). لا ننسى بأن هذا اللقاء الثقافي، قد عرف بعض الفقرات الفنية التربوية من تقديم بعض تلاميذ و تلميذات مديرية مديونة و بتأطير من أطر ثريا جبران و هي فقرات امتزجت فيها الاحتفالية المسرحية التي حاكت بحواريتها مساحة من موروثنا العامي الشفهي، بقراءة أدبية نطقت ما بين سطورالمقروء بالتجربة الفنية لتكدة مع إنجاز حوار رقمي مع دخوش الروداني. و سيظل الأمل معقودا في المستقبل القريب على رؤية مزيد من هكذا مشاريع تربوية ثقافية ، خصوصا إذا ظهرت محكومة بخارطة طريق واضحة تجعل من العمل الثقافي قاعدة و أفقا في نفس الآن لتنشيط الفعل التعليمي التعلمي بعمق حضاري تثقيفي لصالح المتعلم(ة) المغربي.