لا شيء يعبّر عن الإنهيار الثقافي الذي نعيشه أكثر من تعليق عمر الشرقاوي على صورة تجمع رئيس الحكومة المغربي بنظيره الإسباني: “صورة بألف معنى ولا عزاء للحاقدين”.
جملة تُهين القارئ قبل أن تُهين صاحبها، وتكشف مستوى من التفاهة لا يليق حتى بمنشور عابر، فكيف بمن يقدّم نفسه أستاذاً جامعياً وصوتاً من أصوات “التحليل السياسي”؟
لقد سقط الشرقاوي ـ ومعه كل من يسير على نهجه في امتحان بسيط: امتحان احترام عقول الناس. بدل أن يشرح السياق الدبلوماسي، خلفيات الزيارة، رهانات الرباط ومدريد، آثر الطريق الأسهل: نفخ العضلات الافتراضية، وتوزيع تهمة “الحاقدين” على كل من لا يرى في الصورة فتحاً مبيناً.
إنه مستوى من التطبيل الرخيص يجعل “النخبة” نفسها مشكلة، لا سنداً للمجتمع.
و الأخطر من العبارة المبتذلة هو ما تخفيه: محاولة إقحام المواطنين في معركة وهمية بين “محبّين” و“حاقدين”. بينما الحقيقة أن السياسة الخارجية في المغرب واضحة: قرار ملكي، وتوجيه ملكي، وتنفيذ بروتوكولي. فلا فضل لعثمان على عمران، ولا استراتيجية منسوبة لرئيس حكومة عاد من مدريد بما طلب منه أن يعود به.
فمن أين جاءت “الألف معنى” إذن؟
من فراغ الخطاب… لا غير.
المؤلم أن من يفترض فيه أن يرفع السقف المعرفي صار يخفضه. من يفترض فيه أن يفسّر، أصبح يصفّق. من يفترض فيه أن ينقّح النقاش العمومي، تحوّل إلى جوقة إضافية في مهرجان التهليل. وحين يصبح الأستاذ الجامعي منافساً لصفحات المعجبين في الرداءة، فاعلم أن الجامعة فقدت صوتها، وأن النخبة أفلست.
هذا التعليق ليس “صورة بألف معنى”.
إنه شهادة رسمية على إفلاس جزء من النخبة التي استبدلت التفكير بالتصفيق. وإن أخطر ما يمكن أن تواجهه دولة ليس خصومها، بل أصدقاء مزيفون يحولون كل حدث إلى مناسبة للمديح الأعمى لدرجة تكشف فيها العورة.






