أحيانا لفهم حجم الأمور، تختصر الأرقام ذلك وتعطيك صورة عن الواقع، فلنأخذ متال في الزمن الذي نعيشه، حيث نتحدث عن الشركات العالمية، فقيمتها المالية رهيبة بشكل كبير ولنأخذ النموذج التالي:
أولا تقدر الميزانية العامة للمغرب بحوالي 76 مليار دولار، تمثل هذه الميزانية نسبة 0.0152 من القيمة السوقية لشركة إنفيد العاملة في الذكاء الاصطناعي ، وهذا يعني انه لا مجال للمقارنة بين القوة المالية للشركات والدول/
ومن المهم التذكير Hن ميزانية اليابان تساوي تقريبا القيمة السوقية للنفس الشركة إنفيد، امر ذكر به ترامب "اصدقاءه" في اليابان، بل هناك دول في إفريقيا ميزانيتهم السنوية Hقل من القيمة السوقية لفريق كرة قدم متوسط بإوروبا، والخلاصة الأولى أن عالم الأرقام المالية في العصر الحديث له منطق آخر وتفسير آخر، ولم تعد الدول إلا وزنا ماليا خفيفا ومتواضعا، تحدد مجموعة من العلاقات الدولية عبر هذه الأرقام، التي ينظر لها من خلال المنطق والقوة المالية، وفي ذلك كثير من الاختزال الذي تفرضه الرأسمالية المتوحشة، حيث اختصرت الأمم والشعوب والحضارات والامكانيات والجغرافية والتاريخ في أرقام تحللها وتفسرها كما تشاء، بل تحتقر بها وتضخم بها حسب مصالحها ورغبتها وما تريد الوصول اليه،
القضية الثانية التي أردت الإشارة إليها عبر دلالة الأرقام هو زمن القرار السياسي و الزمن الكلي من سنة لمؤسسة تشريعية بل تعكس جزءا مهما من الحياة السياسية، وبالمثال يسهل القول:
صادق مجلس النواب صباح الجمعة 5 دجنبر 2025، بالأغلبية على مشروع قانون المالية رقم 50.25 للسنة المالية 2026، في قراءة ثانية، في جلسة تشريعية استمرت 6 دقائق، أي ما يعادل552 0.00001141 من زمن السنة بالدقائق، وبالتالي حجم الزمن يعكس حجم الاهتمام، أعطت مؤسسة تشريعية من زمنها 6 دقائق للحسم في قرار يؤثر على سنة كاملة من حياة مجتمع يضم أكثر من 35 مليون نسبة، أمر يعكس طبيعة اختلاف الزمن وثقله ووزنه واثاره، ولا يقصد بذلك انتقاص أو تقدير، وإنما يفهم أن الزمن نسبي و تختلف مدته من فضاء إلى فضاء آخر.
القضية الثالثة أشد وضوحا وهي استحضار أرقام الغياب والحضور في البرلمان، فقد غاب عن التصويت 290 نائبا برلمانيا بنسبة تقارب 73 بالمائة، رقم يوضح درجة اهتمام النواب بأهم عملية تشريعية المتمثلة في التصويت على الميزانية، البرلماني الذي يغيب عن هذه اللحظة يقول باختصار ان الامور تحسم بغيابي وبحضوري، وأن ثقل القرار موجود خارج البرلمان، أو على الأقل هذا ما يوحي به غيابه.
القضية الرابعة تتجلى هذه الأيام في ارتفاع أصوات من هنا وهناك تقول ما ملخصه:
الأحزاب دورها متواضع في الحياة السياسية، وأن القرارات بيد مؤسسات أخرى،
رغم هذا القول، فالجميع حريص على أن يفوز في الإنتخابات، التي يؤكد خطابهم أنها محدودة التأثير جدا، بل وصل الخطاب السياسي بلغة التسول أن بعضهم يريد من المواطنين أن يأتوه بالديمقراطية التي تناسبه، وتضمن فوز حزبه وتوسيع صلاحيات ممارسته للفعل السياسي، علما أن حزبه في الحكومة، ويهيمن على أهم القطاعات الاقتصادية فيها، فما هي الرسالة التي يبعث بها؟
أقلها كرسالة تقول :
رواية المغرب دولة المؤسسات ورواية فصل السلط ومعها روايات أخرى أصبح مشكوك فيها، ليس من طرف المعارضة غير الرسمية فقط، وإنما من طرف الأغلبية أيضا، وهنا تصبح عملية تفصيل قانون الإنتخابات دون قيمة كبيرة أو جدوى ودور مهم، هذا ما يقوله جزء من الخطاب السياسي المتداول الآن وما يعبر عنه في الفضاء العام، ومع ذلك هناك من ينتظر معجزة مشاركة الشباب وعودة دماء جديدة للمشهد السياسي.
من الخلاصة:
في كل الدول توجد مفاجأت سياسية، ولكن عندنا تقع غرائب سياسة، ذكرت بعضا منها من خلال الأرقام وبعضها من خلال الخطاب.






