مجتمع وحوداث

غرق مدينة في ساعة واحدة: آسفي نموذجًا لاختبار البنية التحتية والسياسات العمومية

إبراهيم الخياطي (باحث في الثقافة البصرية والوساطة الرقمية)

لم تحتج مدينة آسفي سوى ساعة واحدة من التساقطات المطرية القوية كي تتحول إلى فضاء مفتوح للمأساة. شوارع غمرتها المياه، منازل ومحلات تجارية اجتاحها السيل، وسيارات جرفتها السيول، قبل أن تُسجَّل حصيلة بشرية ثقيلة تجاوزت أربعة عشر ضحية، في مشهد صادم أعاد إلى الواجهة أسئلة قديمة تتجدد مع كل شتاء: هل نحن مستعدون فعليًا لمواجهة الكوارث الطبيعية؟ أم أن ما يحدث ليس سوى نتيجة تراكم اختلالات بنيوية وسياسات ترقيعية؟


ما وقع في آسفي لم يكن زلزالًا ولا إعصارًا استثنائيًا، بل أمطارًا قوية ومركّزة في زمن وجيز، وهي ظاهرة باتت معروفة في سياق التغيرات المناخية التي يشهدها العالم. غير أن الكارثة الحقيقية لا تكمن في المطر نفسه، بل في العجز البنيوي عن استيعابه. فشبكات الصرف بدت عاجزة، والمجاري مسدودة أو غير كافية، والتخطيط الحضري غير قادر على حماية الأحياء المنخفضة والهشة، ما حوّل حدثًا مناخيًا إلى مأساة إنسانية.


اللافت أن هذا السيناريو يتكرر كل سنة تقريبًا في مدن مغربية مختلفة، بأسماء مختلفة وحصيلة بشرية متباينة، لكن بجذر واحد: بنية تحتية مهترئة لا تواكب التحولات المناخية ولا النمو العمراني. ملايين الدراهم تُرصد سنويًا لمشاريع التهيئة، لكن أثرها على أرض الواقع يظل محدودًا، أو يختفي تمامًا عند أول اختبار حقيقي. وهنا يبرز سؤال الحكامة: أين تُصرف هذه الميزانيات؟ وكيف تُراقَب جودة الإنجاز؟ ومن يتحمّل مسؤولية الأعطاب المتكررة؟


تأتي مأساة آسفي في سياق وطني حساس، حيث يُثار نقاش واسع حول أولويات الإنفاق العمومي، خصوصًا في ظل مشاريع كبرى مرتبطة بالبنية الرياضية والاستعدادات للتظاهرات الدولية. دون الدخول في منطق المقارنة المباشرة أو الشعبوية، فإن ما حدث يطرح إشكالية التوازن بين الاستثمار في الواجهة والاستثمار في الأساس: بين ما يُرى عالميًا وما يضمن كرامة المواطن وأمنه اليومي.


إن الفيضانات لا تقتل وحدها، بل يقتل معها غياب الوقاية، وضعف التخطيط، وتأخر الاستجابة، وغياب المساءلة بعد انتهاء الكارثة. فغالبًا ما تنتهي المأساة ببيانات التعزية وفتح تحقيقات، قبل أن تُطوى الصفحة إلى حين موسم مطري جديد، في دورة متكررة من النسيان الجماعي.


اليوم، بعد آسفي، لم يعد النقاش ترفًا ولا خيارًا مؤجلًا. المطلوب تفكير جذري في سياسات التهيئة الحضرية، وتحديث شبكات الصرف، واعتماد خرائط دقيقة لمخاطر الفيضانات، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وجعل الحق في السلامة والعيش الكريم أولوية لا تقل أهمية عن أي مشروع استراتيجي آخر.


آسفي ليست مجرد مدينة غارقة، بل مرآة تعكس اختلالًا أعمق في علاقتنا بالتخطيط، والوقاية، والإنسان. والدرس القاسي الذي خلفته هذه الفاجعة هو أن الكوارث الطبيعية لا تتحول إلى مآسٍ بشرية إلا عندما تفشل السياسات في حماية مواطنيها.


بقلم: إبراهيم الخياطي

باحث في الثقافة البصرية والوساطة الرقمية