تحليل

مدونة الأسرة.. في أعطاب منطق المؤامرة والحاجة إلى استيعاب التمرين الديموقراطي

سعيد ألعنزي تاشفين
 أجل إرضاء الغرب " المتٱمر " وخلفه " بيادق " الحداثة من العلمانيين المغاربة الذين أعلنوا معركتهم ضد الدين (جدلا ) ، أو أن تنتصر للمطارحة الإسلامية التي يرافع عنها فقهاء الإرتكاسية والرجعية ( جدلا ) ؛ لدواعي متعددة في مقدمتها كون الدولة تدبر التوجه العام للمجتمع بأدوات ضبط موارد النزاع دون صدام وبالحد الأقصى من المرونة وهذا ثابث تاريخيا في تعامل العقل الدولتي مع سؤال الإصلاح عامة ومع خلافات الفرقاء خاصة . بمعنى أخر إن الدولة لا يمكن بالمطلق أن تكون ثورية بالمنطق العلماني من أجل مدونة تقدمية ، أو أن تكون أصولية بالمنطق السلفي من أجل مدونة إسلامية ، مهما اشتدت وطأة الضغط من أي جهة داخلية أو خارجية ، لأنها ، أي الدولة ، تواكب تحولات المجتمع بيقظة كبيرة مستحضرة مخاطر المساس بلحمة المجتمع وهو ما يجعل منطق التوافقات أساس تدبير مورد النزاع. وبالتالي فالدولة لن تخضع لأية توجيهات أو ضغوط في موضوع مجتمعي يلامس ثوابتها هي أولا قبل كل شيء في كنف انقسامات مجتمعية أساسها التنافر في إطار نوع من " الفرق بين الفرق " ( هناك مصدر تحت عنوان الفَرْق بين الفِرَق للمؤرخ البغدادي ) ؛ وعليه أعتبر أن الدولة ( المخزن كمفهوم تاريخي - سوسيولوجي منذ القرن التاسع عشر = أعتمد هنا مفهوم المخزن بحمولته التاريخية العلمية وليس السياسية كما يروج راهنا / هند عروب فككت منطق اشتغال مفهوم المخزن ) أكثر ذكاءً في تقدير المخاطر وفي مواكبة تطلعات طرفي معادلة طالما كانا ينشدان استدراجها ( أي الدولة ) حتى تكون حليفا استراتيجيا ضد الطرف الأخر ( العلماني يريد التحالف مع الدولة ضد « الرجعيين » والأصولي يريد التحالف مع الدولة ضد « الملحدين » ، والدولة تقدر توزان الرعب هذا بذكاء كبير = أي ضبط مورد النزاع ) وهو ما ترفضه الدولة بالمطلق ( الشيء نفسه حصل قبيل 2004 مع خطة إدماج المرأة في التنمية مع محمد سعيد السعدي / التحكيم الملكي = ميلاد المدونة ) ؛ لذلك أتوقع ولادة مدونة معتدلة تستجيب لبعض المفارقات التقنية دون الذهاب بعيدا في خلق الفجوة بين طرفي المعادلة بما قد ينعكس سلبا على لحمة المجتمع الذي ما يزال دون وعي كاف في تدبير اختلافاته بهدوء .  

في براغماتية الدولة وإيجابيتها في إدارة الأزمة :

وإذا كان للمثقف المتحدث ، وفق كل المرجعيات سلفية أو تقدمية / أصولية أو لائكية ، صوت شجاع في رفض دفوع الطرف الأخر ؛ فإن الدولة تفكر خارج نظائم هذين الطرفين وبهما معا في الوقت ذاته من منطلق حسن إدارة الأزمة لصالح منطق التوافقات الضامنة لاستمرارية السلم المجتمعي في انتظار نضج كل الشروط الذاتية والموضوعية ذلك أن الدولة امتداد لتوازنات المجتمع ولمنسوب ثقة نخبه . 

في صلابة شرعية عقل الدولة :

أعتبر أن إمارة المؤمنين صمام أمان هذا الوطن ، فهي التي تحمي الإسلاميين من تغول العلمانيين الذين ( جدلا ) يجارون تطلعات العالم حقوقيا ضمن الشرعية الديموقراطية ضد خصوصيات المجتمع ولتقليم أظافر " الرجعية " . وهي نفسها التي تحمي العلمانيين من تغول الإسلاميين الذين ( جدلا ) يوظفون الله وشرعية المقدس التيولوجي من أجل محاصرة العقل والحرية باسم الخصوصية العقدية ولتكسير أجنحة " الإلحادية " . ولولا هذه الشرعية الدينية التي تحضى بها الملكية لَتعمق مورد النزاع لدرجة " الحرب " بين أبناء الدار . فهل نسي الفصيل العلماني أن الدين من أسس شرعية الدولة وبالتالي لن تسمح بتجاوزه كمعطى حاسم في إدارتها للنزاع ؟! أم هل نسي الفصيل الإسلامي أن الديموقراطية وحقوق الإنسان من أسس شرعية الدولة التي نصت على سمو الشُّرعة الدولية لحقوق الإنسان في تصدير دستور 2011 ؟!  

في مشروعية الملكية في حلحلة مورد النزاع :

إن أهم ما يميز المغرب ، في نظري ، هو قدرة عبقرية الملكية الدستورية - الديموقراطية - الإجتماعية - البرلمانية على ضبط دقة التوازنات بميزان بيض النمل ، وأنا هنا لست أنصب نفسي محاميا شرسا عن الدولة ، لكنني ، بشكل ما ، دارس جيد لسوسيولوجيا الإصلاح ولتاريخية تداولية المفهوم منذ قرنين من الزمان على أقل تقدير بما يجعلني أزعم أن الدولة لن تُجاري هوس النزاع بين طرفي المعادلة إلا بإيجابية التحكيم المخولة دستوريا للملكية الدستورية - الديموقراطية - الإجتماعية - البرلمانية كصمّام أمان هذا الشعب والضامنة لوحدته وانسجامه وفق مختلف المرجعيات دون استخفاف ودون غلو وبحكمة وذكاء لصالح كل الأطراف كمشترك إنساني ترعاه الملكية بقوة وباحترافية في إدارة موارد النزاع لصالح المجتمع قبل كل الأطراف . 

وعليه ختاما من ضروريات صون المشترك الإنساني للمغاربة الثقة الثابثة في الملكية لكون مصلحة المجتمع الفضلى قوام تفكيرها شرعا ودستوريا من أجل مصالح العباد والبلاد ؛ أفلا يتقون ؟!