تحليل

إصلاح مدونة الأسرة.. هل يتكرر سيناريو 2004؟

عبد القادر الفطواكي
استقبل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، 30 مارس 2024، أعضاء الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، الذين مكنوه من التقرير الخاص بالمهام التي كلفت بها قبل حوالي ستة أشهر، وذلك من أجل تسليمه إلى الملك محمد السادس.

لكن ما يلاحظ من خلال تحليل عدد من اللقطات التي وثقتها عدسات الصحفيين الذين حضروا مراسيم الاستقبال، التباعد والنفور الواضحين بين المؤسستين الدينية والحقوقية الرسمية في شخص كل محمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وأمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

يسف الذي بدت ملامح الصرامة على وجهه، عمد إلى الوقوف على أقصى يمين رئيس الحكومة ، في حين اختارت بوعياش بدورها أقصى اليسار كمنطقة راحة للوقوف علت علامة عدم الارتياح على سحنتها. وهي أمور تبرز مؤشرات الاختلاف والصراعات التي يبدو أنها خيمت على اجتماعات ومداولات الهيئة المكلفة بإصدار مقترحات قصد رفعها لنظر المؤسسة الملكية.

المسافة بين يسف وبوعياش، تعكس على مايبدو التباعد الواضح بين المؤسستين الذي تحدث بعد المصادر أنه تحول في عدد من لقاءات الهيئة خلال الأسابيع الأخيرة إلى "حرب" بين الطرفين، بعد أن اعتبر محمد يسف أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاول فرض مذكرة تعديل المدونة دون موافقة المجلس العلمي الأعلى، تطورت فصوله إلى انسحاب بعض أعضاء المؤسسة الدينية من النقاش، الذي احتج على ما ورد في الوثيقة التي عُرضت للتصويت دون استشارة المجلس الذي يمثله بخصوص مضامينها، معتبرا أنها "مخالفة لأحكام الشريعة وللنصوص القطعية" يضيف العضو المذكور. وهو ما تأكد خلال مجالسة ممثلي المؤسستين لرئيس الحكومة عزيز أخنوش.

المعطيات المتحصل عليها، أكيد أنها ستعيد النقاش إلى مدونة مغرب 2004 وما رافقها من جدل حول مضامينها، والذي يرى عدد من المتتبعين أنه سيتكرر بعد 20 سنة بين الإسلاميين والحداثيين. سيستلزم تدخل المؤسسة الملكية لإنهائه، بإيجاد صيغة متوازنة.

إن إصلاح مدونة الأسرة كانت تاريخيا من الملفات الكبرى التي حاول الملوك المغاربة التعامل معها وتعديلها بحكمة كبيرة. بداية بسنة 1958 شكل الملك الراحل محمد الخامس لجنة أشرف عليها من أجل إصلاح الأحوال الشخصية. وفي سنة 1992، أقر الراحل الحسن الثاني بأن مدونة الأحوال الشخصية فيها ظلم للمرأة المغربية، وقام بإدخال تعديلات ركزت على أمور الطلاق والحضانة، غير أن تلك الإصلاحات لم تتجاوب مع سقف المطالب وبقيت الحركة النسائية تناضل من أجل إدخال تعديلات جوهرية أخرى.

وإبان مرحلة حكومة التناوب الأولى، قدّم محمد سعيد السعدي، كاتب الدولة المكلف وقتها بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة، الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، التي فجرت جدلا واسعا بين الإسلاميين الذين قادوا مسيرة حاشدة في الدار البيضاء ضدها، وبين القوى الحداثية، التي قادت بدورها بمسيرة مضادة في العاصمة رفعت شعار “النساء والرجال في الحقوق بحال بحال”، ليدخل بعدها المغرب في أزمة حقيقية وصل معها الوضع إلى مرحلة التحكيم الملكي.

في أكتوبر من سنة 2003 تدخل الملك محمد السادس لوضع حد للصراع بين الإسلاميين والحداثيين والذي كان ينذر بنتائج وخيمة، حيث قال الملك في خطاب تاريخي له آنذاك: "فضلا عما اتخذناه للنهوض بأوضاع المرأة وإنصافها، فإننا لم نتردد في تجنيب المجتمع مغبة الفتنة حول هذه القضية". كما أصدر تعليمات من أجل تكوين لجنة استشارية مشكلة من16 عضوا، منهم ثلاث نساء، ترأسها الراحل امحمد بوستة، كلفت بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية.

وتوج هذا التدخل الملكي بصدور مدونة أسرة اعتبرت "ثورة هادئة" على النص القديم، وذلك بالرغم من الصعوبات التي واجهت اللجنة ووصلت إلى حد انقسامها إلى فريقين.

في شتنبر من سنة 2023، وجه الملك رسالة إلى رئيس الحكومة، من أجل إعادة النظر في مدونة الأسرة، الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة.

وشددت الرسالة الملكية على أن "تُشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين".

وقضت التعليمات الملكية برفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة، إلى نظر العاهل المغربي، باعتباره "أمير المؤمنين والضامن لحقوق وحريات المواطنين"، في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.

وفي انتظار الخروج الرسمي للتعديلات مدونة الأسرة الجديدة، فإن حمى التراشقات بين الحداثيين والمحافظين حيث يشدد الفريق الأول على ضرورة إعادة النظر في قانون الأسرة على مستوى فلسفتها عبر تعديل مبني على قيم الحداثة والالتزامات الدستورية للبلاد مع ضرورة التخلي عن عدد من المفاهيم القديمة، إضافة إلى مراجعة القوانين الجنائية المرتبطة بالأسرة، مثل تجريم الإجهاض، والعلاقات الرضائية، ومسألة النسب وغيرها.

أما الفريق الثاني فيرى أنه لا بد من تعديل بثوب ديني فقهي مخض، مع عدم التقليل من شأن التوجهات المدنية المرتبطة بمقتضيات الأسرة، رافضا بالمطلق استنساخ مقاربات غربية تخالف -حسب تصوره- خصوصية المجتمع المغربي.