يعد القطاع غير المهيكل من بين الإشكاليات البنيوية التي تواجه الإقتصاد المغربي، لما له من آثار مزدوجة: فمن جهة، يمثل مورد رزق لآلاف المواطنين الذين يجدون فيه ملاذا من البطالة والفقر، ومن جهة أخرى، يشكل عائقا أمام التنمية الإقتصادية المندمجة والعدالة الجبائية والإجتماعية.
القطاع غير المهيكل أو الإقتصاد غير الرسمي، يقصد به مجموع الأنشطة الإقتصادية التي تمارس خارج الإطار القانوني والضريبي، دون تسجيل رسمي أو مساهمة في نظام الحماية الإجتماعية، ويشمل هذا القطاع حرفيين، باعة متجولين، عمالا عرضيين، مقاولات صغرى غير مصرح بها، وغيرها من الأنشطة التي تفتقر إلى التأطير والتنظيم.
وتقدر مساهمة هذا القطاع في الناتج الداخلي الخام بالمغرب بما يفوق 20%، حسب تقارير رسمية، ويستقطب شريحة كبيرة من اليد العاملة، لا سيما في صفوف الفئات الهشة التي تعاني من ضعف التأهيل وندرة فرص العمل في القطاع المهيكل.
ورغم طابعه "الإستيعابي" في التخفيف من البطالة، إلا أن القطاع غير المهيكل يفرز العديد من الإكراهات:
- ضياع الموارد الضريبية للدولة، ما يحد من قدرتها على تمويل السياسات العمومية.
- هشاشة وضعية العاملين فيه بسبب غياب التغطية الصحية والتقاعد وحماية الشغل.
- صعوبة التتبع والإحصاء، ما يضعف نجاعة التخطيط الإقتصادي والمالي.
- المنافسة غير المتكافئة مع المقاولات المهيكلة، التي تلتزم بالقوانين وتتحمل كلفة الضرائب والضمانات الإجتماعية.
إن استمرار هذا الواقع يكرس الإزدواجية في البنية الإقتصادية، ويضعف الثقة بين الفاعلين الإقتصاديين والمؤسسات.
ولمواجهة هذه الظاهرة لا يمكن أن تتم فقط عبر الزجر والتضييق، بل ينبغي اعتماد مقاربة شمولية تدريجية تأخذ بعين الإعتبار الطابع الإجتماعي والمعيشي لهذا القطاع، وتعمل على تحويله إلى قطاع مهيكل وفاعل في الإقتصاد الوطني.
ومن بين أبرز محاور هذه المقاربة:
- تبسيط الإجراءات الإدارية والقانونية للترخيص وتأسيس المقاولات الصغرى.
- تشجيع المقاولين الذاتيين عبر تحفيزات ضريبية ودعم مالي وتقني.
- إطلاق برامج تكوين وتأهيل للفاعلين في القطاع غير المهيكل، قصد تحسين إنتاجيتهم وإدماجهم المهني.
- تعميم التغطية الإجتماعية تدريجيا على العاملين، خاصة بعد إطلاق ورش الحماية الإجتماعية في المغرب.
- استثمار الرقمنة في تتبع النشاط الإقتصادي وتوسيع قاعدة المعطيات حول العاملين في هذا القطاع.
وفي الأخير يجب التأكيد على أن إدماج القطاع غير المهيكل في الإقتصاد الوطني لا يعتبر مجرد ضرورة تقنية أو مالية، بل هو خيار استراتيجي متعدد الأبعاد لتحقيق التنمية المستدامة، والعدالة الإجتماعية، والفعالية الإقتصادية، ولتحقيق هذا الهدف ينبغي بالضرورة المرور عبر نهج الإلتقائية، أي التنسيق والتكامل بين مختلف البرامج والسياسات العمومية: من التعليم والتكوين، إلى المالية والضرائب، إلى التشغيل والحماية الإجتماعية، مرورا بدور السلطات المحلية والجماعات الترابية والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
فبدون التقاء الجهود وتناسقها، تظل المبادرات مشتتة وغير فعالة، مما يفوت على البلاد فرصة استثمار طاقاتها البشرية والإقتصادية بشكل أمثل، ولذلك، فإن الإلتقائية ليست مجرد خيار تنظيمي، بل هي شرط أساسي لنجاح أي استراتيجية تهدف إلى النهوض الشامل والمستدام بالإقتصاد الوطني.