كان المثقّف، دائما، هو الذي يلعب صلة الوصل بين السلطة وأفراد الشعب... سواء بالانحياز إليها والبحث لها عن التبريرات...
أو بانتقادها وتهيئة الشروط الثقافية والذهنية لانبثاق سلطة جديدة...
سابقًا كان المثقّف غالبًا ما يظهر في ثوب رجل الدين أو الكاهن...
ولكن مع النهضة الأوروبية... أصبح أكثر فأكثر في ثوب اللائكي أو اللاديني...
ما كان يميّز المثقّف دائمًا... أنّه هو من كان يمتلك أدوات المعرفة الثلاث:
القدرة على التفكير التجريدي،
امتلاك المعلومة، قدرته على توصيلها... باستعمال أدوات التواصل المتوفّرة في كلّ زمان... كفنّ الخطابة والبيان... أو الكتابة والنشر لاحقًا، أي كان هو الواسطة التي لا بدّ منها لتداول الأخبار والمعلومات...
غير أنّ المتغيّر الجديد اليوم هو أن مواقع التواصل الرقمية وفرت كلّ تلك الأخبار والمعلومات ووضعتها رهن الجميع... ولم يَبقَ المواطن العادي في حاجة إلى المثقّف، لأجل ذلك، جعلته يستغني عنه وغير محتاج إلى خدمته... ما جعله يفقد دوره المعروف في المجتمع، وبالتالي صار يتوارى إلى الوراء...
لصالح البارع في التواصل أو المؤثّر...!!
بطبيعة الحال... تبقى واحدة من الخصائص الثلاث أعلاه... من امتيازات المثقّف وحده... والتي لا يمكن أن تتوفّر عند كلّ الناس... ولا عند الكثير من المؤثّرين... وهي القدرة على التفكير التجريدي وإنتاج التصوّرات الجديدة عن المجتمع...
ذلك هو الرهان الذي بقي للمثقّف... إن افترضنا أنّه هو أصلًا يتوفّر فيه هذا الشرط...
مع ضرورة، في نفس الوقت، أن يتمكّن من الوسائط الرقمية الجديدة حتّى يستطيع إبلاغ أفكاره تلك إلى أوسع العموم...






